الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا رأيت نفسي غير صادق، فهل أترك سيد الاستغفار لأن فيه: وأنا على عهدك...؟

السؤال

أنا ملازم لذكر سيد الاستغفار كل صباح ومساء: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت...) ولكني أحيانًا أحس نفسي غير صادق في قولي: "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت" فهل من الأفضل إذا رأيت نفسي غير صادق أن أقرأ هذا الذكر أم لا أقرؤه؟ وإذا قلت: "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت" ثم خالفت فهل أنا آثم؟ أي: إذا قلت: "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت" ولم أبق على العهد، فهل أعد ناقضًا لعهد الله، وأكون مرتكبًا ذنبًا كبيرًا ؟ أفتونا مأجورين -بإذن الله تعالى-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالالتزام بعهد الله ووعده مهم، وجد خطير، والانشغال بتحقيق ذلك أهم من الانشغال بمسألة قول الذكر أو تركه.

فالأفضل -بل الواجب عليك- إذا شعرت أنك غير صادق في تلك العبارة أن تتوب فورًا، وتعزم على تجديد العزم على الالتزام بعهد الله ووعده، فإنه لا عذر لك بالإخلال بذلك ما دمت مستطيعًا.
والمراد بعهد الله هنا توحيد الله، والإيمان به، وهذا يشمل بعمومه جميع التكاليف الشرعية.

جاء في فتح الباري لابن حجر: قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد أَنَا عَلَى مَا عَهِدْتُك عَلَيْهِ، وَوَاعَدْتُك مِنْ الْإِيمَان بِك، وَإِخْلَاص الطَّاعَة لَك مَا اِسْتَطَعْت مِنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد أَنَا مُقِيم عَلَى مَا عَهِدْت إِلَيَّ مِنْ أَمْرك، وَمُتَمَسِّك بِهِ، وَمُنْتَجِز وَعْدك فِي الْمَثُوبَة وَالْأَجْر، وَاشْتِرَاط الِاسْتِطَاعَة فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ الِاعْتِرَاف بِالْعَجْزِ وَالْقُصُور عَنْ كُنْه الْوَاجِب مِنْ حَقّه تَعَالَى.

وَقَالَ اِبْن بَطَّال: قَوْله: "وَأَنَا عَلَى عَهْدك وَوَعْدك" يُرِيد الْعَهْد الَّذِي أَخَذَهُ اللَّه عَلَى عِبَاده، حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ أَمْثَال الذَّرّ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ: أَلَسْت بِرَبِّكُمْ، فَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَبِالْوَعْدِ مَا قَالَ عَلَى لِسَان نَبِيّه: "إنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَأَدَّى مَا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة". قُلْت: وَقَوْله: وَأَدَّى مَا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِ زِيَادَة لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَقَام؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَاد بِالْعَهْدِ الْمِيثَاق الْمَأْخُوذ فِي عَالَم الذَّرّ، وَهُوَ التَّوْحِيد خَاصَّة, فَالْوَعْد هُوَ إِدْخَال مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّة، قَالَ: وَفِي قَوْله: "مَا اِسْتَطَعْت" إِعْلَام لِأُمَّتِهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِر عَلَى الْإِتْيَان بِجَمِيعِ مَا يَجِب عَلَيْهِ لِلَّهِ، وَلَا الْوَفَاء بِكَمَالِ الطَّاعَات، وَالشُّكْر عَلَى النِّعَم, فَرَفَقَ اللَّه بِعِبَادِهِ، فَلَمْ يُكَلِّفهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وُسْعهمْ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِالْعَهْدِ وَالْوَعْد مَا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة, كَذَا قَالَ: وَالتَّفْرِيق بَيْن الْعَهْد وَالْوَعْد أَوْضَح. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 76236.

وحيث إن عهد الله يشمل كل التكاليف الشرعية، فإن الإخلال به يتفاوت بتفاوت المخالفات صغرًا وكبرًا.

ونوصيك بعدم ترك سيد الاستغفار، بل اجعل منه تذكرة لك لتجديد التوبة دائمًا، والعزم على الالتزام بدين الله.

ومتى أصر العبد على عدم الالتزام فهو آثم على كل حال، سواء قال الدعاء أم لا؛ فإن بين العبد وربه عهد بمقتضى عبوديته لربه جل وعلا، وهذا العهد قائم منذ أن كان العبد في عالم الذر، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {الأعراف:172}، فالعبد مطالب بالوفاء بالعهد، سواء تلفظ به بلسانه أم لا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني