الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنفاق المال على الحوائج قبل الحج بين الإثم وعدمه

السؤال

قام والدي ببيع أحد العقارات بمبلغ ‏‏250 ألف جنيه، 110 آلاف جنيه ‏ديون عليه، ثم قام بتقسيم 140 ألفا ‏المتبقية بين تغيير السيارة؛ لكثرة ‏مشاكلها، واحتياجه سيارة حالتها ‏جيدة؛ لكثرة السفر. وبين إعطاء ‏مبلغ لابنه للزواج، وبين استكمال ‏مشروع خاص به، مع العلم أنه لم ‏يحج بيت الله الحرام سابقاً.
فهل ‏ينبغي عليه ألا يؤجل الحج طالما أن عنده ‏أموالا أم لا شيء عليه؛ لأنه بعد ‏القسمة التي ذكرتها لا يبقى شيء ‏تقريبا؟
وهل عليه زكاة مال عن هذا ‏المبلغ 250 ألف أم تحسب الزكاة ‏بعد سداد الدين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فحجة الإسلام إنما تجب على من فضل عنده مال عن النفقات، والحوائج الأصلية. كما قال صاحب الزاد: من وجد زادا، أو راحلة صالحين لمثله، بعد قضاء الواجبات، والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية. اهــ.

وقد قدمنا في الفتوى رقم: 23574 أن نفقة تزويج الابن غير واجبة على أبيه، في قول جمهور أهل العلم، وأن الحج يُقَدَّمُ على تزويج الأبناء، وكذا يقدم الحج على المشاريع التي ليست من الحوائج الأصلية. فإذا كانت النفقات التي أنفق فيها والدك المال، من الحوائج الأصلية التي لا غنى له عنها، وما بقي لا يكفي للحج، فإنه غير مستطيع، ولا يطالب به. وإذا لم تكن من الحوائج الأصلية، وأنفقها بعد وجوب الحج عليه، فإنه يأثم لكونه قادرا على الحج، وقد تركه بعد وجوبه عليه.

ولو أنفقها في تلك الحوائج قبل دخول وقته، فرارا من الحج، فربما أثم؛ لأنه تحايل لإسقاط واجب، كمن أبدل المال بغير جنسه، أو أنقصه عن النصاب قبل وجوب الزكاة فرارا منها، وقد نص الفقهاء على تحريم التّحيّل لإسقاط الزّكاة، ولو فعل لم تسقط، كمن أبدل النّصاب من الماشية بغير جنسه، فرارًا من الزّكاة، أو أتلف، أو استهلك جزءا من النّصاب عند قرب الحول.
وأما إذا أنفقها في تلك المشاريع قبل دخول وقت الحج، ولم يفعل ذلك فرارا من الحج. فالذي يظهر أنه لا إثم عليه؛ لأنه لم يجب عليه الحج في ذلك الوقت قبل دخول وقته، ولا يجب عليه الادخار للحج، ولربما مات قبل دخول وقت الحج، فلا يمنع من التصرف في ماله بالهبة ونحوها.
ونرى أن الوقت المعتبر للقول بأن الحج يلزمه هذه السنة - ما دام مستطيعا ماديا وبدنيا - إذا بدأت الدولة بفتح بابه، بالبدء بإجراءات الحج من التسجيل ونحو ذلك؛ لأنه قبل ذلك غير قادر على الذهاب، فلم يلزمه السعي إليه، وذلك أخذا مما اشترطه الفقهاء في لزوم السعي إلى الحج أن يكون في وقت المسير . قال ابن مفلح في لزوم الحج: إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ أَيْ: يَكُونُ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا يُجَاوِزُ الْعَادَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ ... اهــ.
وأما الزكاة فإنه يخصم قيمة الدين، ثم يزكي ما بقي إن كان نصابا بعد حولان الحول عليه، فيخرج منه ربع العشر أي 2.5 %، ولا يخصم غيره من النفقات الشخصية عند وجوب الزكاة في المال؛ وانظر الفتوى رقم: 240688 عن حكم خصم الدين والمصارف الشخصية من الزكاة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني