الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحذير من إيذاء الجار والاطلاع على عوراتهم

السؤال

‏ السؤال عن حالتي: حالتي يا ‏مشايخنا الكرام هي: أنا مطلقة، وأسكن مع والدتي المطلقة، وجدتي المتوفى ‏زوجها، وبنت خالي.‏
‏ سؤالي هو: بيتنا فيه حوش (يعني ‏مساحة مفتوحة في وسطه) لدينا ‏جار بجنبنا، لديه شباب فيهم فسق، ‏ومجون. يتكلمون ببذاءة لسان، ‏ويسمعون الأغاني الماجنة-هداني ‏الله، وإياهم-أرادوا ترميم بيتهم، فلم ‏يخبرونا حتى سمعناهم صباحا ‏يضربون بأدوات البناء، قلنا: لا ‏حرج، فلربما يصنعون بيتهم، صبرا ‏جميلا. حتى إنهم للأسف ضربوا ‏الجدار الفاصل بيننا وبينهم. دخلت ‏بنت خالي، فوجدت الحجر في ‏غرفتها ساقطا على الأرض، والله لو ‏كان أحد نائما في ذلك المكان فإما أن ‏نأخذه للمستشفى، أو نقول رحمة الله ‏عليه. ولكن الحمد لله ربي سترنا من ‏الموت.‏
‏ والأمر الثاني: أنه ربما يرانا الرجال ونحن في الغرفة، نساء في بيتنا، ‏فلربما نغير ملابسنا، ونحن لا نعلم -‏عافانا الله من هتك الستر-المهم ‏الغرفة أصبحت مكشوفة، وجدتي ‏المسكينة عمرها 94 عاما، مرضت ‏في ذلك اليوم، وبكت؛ لأن خالي لا ‏يسأل عنا إلا من العام إلى العام.
‏اتصلت أنا بخالتي، وأخبرتها. جاء ‏زوج خالتي مغضبا عليهم، وصعد ‏بالسلم إليهم دون سابق إنذار.
جاء ‏ابنهم يجري يطلب السماح من جدتي، ‏وقالها أنا لم أقصد، ولكن أعدك ‏إذا أكملنا البناء، سآتي وأصلح الفراغ ‏بينا وبينكم. هذا ابن جار طبعا. ‏‏المهم لا زال لحد الآن الفراغ بينا ‏وبينهم، وبنت خالي تنام في تلك ‏الغرفة، وتغير ملابسها هناك. قلت ‏لبنت خالي: اتقي الله، وغيري مكانك، والله لا تأمني الرجال الأجانب، فلم تعر اهتماما لكلامي. ‏المهم غضبت عليهم ‏عندما ذهبوا لزوج خالتي-الذي ‏ذكرته لكم-عندما جاء من العمرة. ‏وغضبوا علي هم أيضا: كيف لا ‏تأتين، وتباركين له! قلت لوالدتي: إنه ‏ليس من محارمي. قالت: أنت ‏تريدين قطع الرحم. وبعد تصالحنا، ‏ولا زلت مصرة على أنه ليس من ‏محارمي. فلا أغضب رب العالمين، ‏على حساب رضى الناس. أسأل الله ‏الثبات، تركوني لوحدي، فأنا كنت ‏أعامله مثل أخوالي، ولكن سألت ‏المشايخ، وقالوا لي إنه ليس محرما ‏لك، ولا يجوز أن تكشفي حتى ‏وجهك أمامه. فلم أذهب معهم. ‏
‏ المهم بعد القيلولة، جيراننا- الذين ‏ذكرتهم لكم- صعدوا بعد الانتهاء من ‏البناء في الأسفل، ولم يخبرونا حتى ‏والله.
وفي اليوم الثاني تطور الأمر عندما تركوني في البيت وحدي، وجدتهم ‏فوق بيتنا بلا استئذان، وبدؤوا ‏يتكلمون عن النساء بكلام بذيء ‏بينهم. لما أخبرت أمي، قال لهم ‏خالي: عادي. والله لم يأت، ولم يسأل، لم ير ‏المشكلة. حسبنا الله ونعم الوكيل.‏
‏ قلت لجدتي: غطي البيت بالسقف. ‏قالت: لا أستطيع؛ لأن البيت بيت ‏الورثة. ‏
أمي لديها مسكن خاص بها ملكها ‏في عمارة.‏
‏ فهل أذهب وأسكن فيه وحدي، والله ‏أنا معرضة للفتنة، والشبهة، ووالله ‏ما نزعت جلبابي، ولا نقابي في ‏ساحة البيت بعد ما رأيت بأم عيني ‏رجلا أجنبيا واقفا وأنا متبرجة في ‏بيتي، والحمد لله أن الله سترني، لم ‏يرني، كنت في الجانب.‏
‏ أجيبوني ما الحل بالله عليكم.‏
‏ ردوا علي اليوم؛ لأني قد جمعت ‏أغراضي، وأنوي بإذن الله أن ‏أهجرهم هجرا جميلا، لعل وعسى ‏ربي يهديني ويهديهم.‏
بيت والدتي مغطى في عمارة.‏
‏ ردوا علي بما يرضي الله ‏اليوم، بالله عليكم، بالله عليكم. ‏
طيب، وإذا توفيت والدتي وأنا لا زلت ‏حية-أسأل الله أن يطيل في عمري، ‏وعمرها على طاعته-لمن ينتقل ‏البيت؟
‏ أنا البنت الوحيدة عندها من طليقها، ‏علما أن والدي تنازل عني قضائيا ‏بعد زواجي. قال لا تتصلوا بي مرة ‏أخرى.‏
‏ بالله عليكم ردوا علي ما الحل.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فسنجمل الكلام على ما أوردت بسؤالك في جملة نقاط، وهي:
النقطة الأولى: حق الجار عظيم، جاء في الشرع بيانه بوضوح، وعلى أتم وجه، وقد ضمنا الفتوى رقم: 46583 بعض النصوص في ذلك، فراجعيها. فيحرم على جيرانكم إيذاؤكم بأي نوع من الأذى. ومن حقهم عليكم مناصحتهم بالمعروف، وتذكيرهم بالله تعالى وأليم عقابه، إن صدر عنهم أمر منكر؛ وانظري الفتوى رقم: 38409.
النقطة الثانية: إذا تمادى الجار في غيه، ولم ينفعه النصح، فلينظر في هجره، إن رجي أن ينفعه الهجر، وأما إن كان يخشى أن يزيده طغيانا، فالأولى السعي في تأليف قلبه، فالهجر يرجع فيه للمصلحة؛ كما هو مبين في الفتوى رقم: 21837.
النقطة الثالثة: إذا كان هذا الفراغ بينكم وبين جيرانكم لا يزال مكشوفا. فلماذا لا يكون منكم سعي في جعل ساتر بينكم وبينهم، ولو مؤقتا حتى يكملوا ما يقومون به من عمل، فنحسب أن الأمر في هذا يسير.
النقطة الرابعة: على أهل بيتكم الحرص على الحشمة، والستر ما دام المكان مكشوفا. فلا يجوز للمرأة أن تبدي أمام الأجنبي ما لا يجوز لها إبداؤه.
النقطة الخامسة: زوج الخالة ليس بمحرم للمرأة، ولكن زيارته مع أهلك لتهنئته بالعمرة، لا تستلزم كشف وجهك أمامه، أو مصافحته ونحو ذلك مما لا يجوز بين الأجنبيين.
النقطة السادسة: إذا أذنت لك أمك بالذهاب إلى بيتها والسكن فيه، وكان البيت في مكان آمن، لا تتعرضين فيه للفتنة أو للتهمة، فلا حرج عليك في الذهاب إليه.
النقطة السابعة: لا ندري كيف تنازل أبوك عنك قضائيا، وعلى كل تقدير فالبنوة ثابتة بينك وبينه، وكذلك ما يمكن أن يترتب عليها من ميراث أو غيره. وكذا الحال بالنسبة لميراثك من أمك. فلو قدر أن ماتت أمك قبلك، وزع المال على ورثتها، ويمكن عندها حصر الورثة، وتحديد نصيب كل واحد منهم.
وننصح بالسعي في الإصلاح بينكم وبين أبيكم، ففي الإصلاح خير كثير، وفي القطيعة شر مستطير، وراجعي الفتوى رقم: 50300.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني