الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قضاء دين الميت مقدم على قسمة الميراث

السؤال

توفى أبي وعليه دين كبير لم يستطع أداءه في حياته, ولكن أمي تقول إنه لو كان قد أمسك على يده قليلا لاستطاع، ونحن لا نعلم ماذا نفعل؟ وقد ترك أبي شقة باسم أمي تجلس فيها وليس لها مأوى آخر ولا تريد بيعها, وشقة أخرى في بيت العائلة في قرية صغيرة ومن الصعب بيعها, كما أن الوصول إلى أصحاب الدين أصبح من الصعب وخاصة أن الدين منذ ثلاثين عاما، ومنهم من هو في بلد آخر بعيد والوصول إليه شاق، ومنهم من غير مكان عيشه أو رقم هاتفه, وعندما حاولنا البحث في الأوراق القديمة الخاصة بأبي توصلنا إلى عناوين قديمة لبعض الأشخاص دون البعض الآخر، ولكننا نخاف كثيرا من المحاولة إلى الوصول إلى بعض منهم لما قد ينتج عنه من خطر قد يهدد حياتنا جميعا ربما بالقتل من أجل ذلك الدين, فماذا نفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جاء في المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. حسنه الترمذي، وصححه السيوطي.

والمعنى كما قال السيوطي: أي محبوسة عن مقامها الكريم.

وقال العراقي: أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا. انتهى.

وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه.

وفي هذا حث بالغ لأولياء الميت على المسارعة إلى قضاء دينه، وقد ذكر أهل العلم أن قضاء دين الميت واجب على ورثته إن كان له مال، لأنه حق لأصحاب الدين في مال المتوفى، ولا يبرأ إلا بأدائه، وقد بين تعالى أن التركة لا توزع على الورثة إلا بعد قضاء دينه وتنفيذ وصيتة، قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:11}.

وبينت السنة المطهرة أن قضاء دين الميت مقدم على تنفيذ وصيته، فترجم البخاري بابا في كتاب الوصايا فقال: باب تأويل قوله تعالى: من بعد وصية يوصي بها أو دين { النساء: 11}.
ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.. وفي الترمذي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: .. قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية.

وعليه، فالواجب عليكم قضاء دين الميت مما ترك قبل قسمته على الورثة، ومن ذلك الشقة التي تركها باسم أمك إن لم يكن قد وهبها لها في حال صحته ورشده قبل موته وأقبضها إياها، وأما إن كان سجلها باسمها لتحوزها بعد موته فقط فهذه وصية، والوصية للوارث لا تصح ما لم يجزها باقي الورثة، ثم إن الدين مقدم على الوصية ـ كما سبق ـ وقد ترك الميت أيضا شقة ثانية -كما ذكرتم- وعليه، فيقضى دينه من ذلك، لكن لو شاء الورثة استبقاء العقار ودفع دين الميت من أموالهم، فلا حرج في ذلك حتى لولم يف ما تركه الميت بدينه وتبرع الورثة بقضاء الباقي عنه فتبرأ ذمته بذلك.

وأما أصحاب الحقوق: فمن عرف منهم فيجب إيصال حقه إليه ولو بطرق غير مباشرة إن كان يخشى من إيصاله إليه مباشرة ضرر، ومن جهل منهم فيتحرى عنه، فإن أيس منه فيتصدق بحقه عنه للفقراء والمساكين عملا بالمستطاع، كما بينا في الفتوى رقم: 66696.

ولمزيد من الفائدة انظري الفتويين رقم: 218926، ورقم: 128435.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني