الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نفقة الأب على بنته الموسرة وقضاء دينها

السؤال

أرجو الإجابة عن أسئلتي بتفصيل ‏أقوال أهل العلم فيها - وأسئلتي تدور حول البنت غير ‏المتزوجة، البالغة، الرشيدة التي ‏تعمل، وتكسب مالًا يغطي نفقتها ‏الأساسية ويزيد، وجميع إخوتها ‏وأخواتها متزوجون-: 1-هل وجوب النفقة عليها من قبل ‏أبيها تسقط في هذه الحالة، دون ‏خلاف لدى الأئمة الأربعة، وأهل ‏العلم؟ وإذا كان هناك خلاف فأرجو ‏تفصيل ذلك‏. 2-إذا كانت نفقتها تسقط عن أبيها، ‏لكنه ينفق عليها على أية حال،‏ فهل نفقته تعد هبة يجب أن يساوي ‏فيها بينها، وبين أبنائه، وبناته ‏المتزوجين؟ ‏3-إذا كان أبوها أعطاها مالًا للنفقة ‏بطلب مباشر منها، أو دون طلب ‏‏-كلاهما يظن أنها نفقة واجبة، أو لا ‏يعلم الحكم بالضبط-‏ فهل عليها إرجاع هذه الأموال؟ ‏وكيف تقدرها وهي لا تعلم مقدارها، ‏ولا عدد السنوات، ولا متى كانت ‏محتاجة لها، أو غير محتاجة؟ 4-هل يجوز أن تأكل، وتشرب من ‏الأكل الذي يشتريه أبوها: إما عامًا ‏للبيت، وإما خصيصًا لها، أم عليها دفع ‏ثمنه؟ ومثل ذلك في أدوات، وأجهزة ‏البيت، والمناديل، وغيرها؟ ‏5-هي تسكن في بيت أبيها،‏ فهل يجب عليها دفع ما تستخدمه من ‏الكهرباء، والماء، والهاتف الأرضي ‏للبيت، ودفع أجرة عن سكنها ‏في البيت أيضًا، مع العلم أن والدها لا ‏يطالبها بذلك؟ وهل يجب عليه أن ‏يطالبها بذلك، وإلا فإنه لا يعدل بينها ‏وبين أبنائه، وبناته المتزوجين؟ 6-في حال كان على هذه البنت ديون ‏لأبيها، وأمها، وغيرهم من الناس، ‏وجزء من هذه الديون بسبب ‏حاجة ملحة –المرض- وجزء منها ‏بسبب تفريط منها، وتبذير للمال، كالاقتراض لإعطاء الهدايا، أو غيره، ‏وهي علمت لاحقًا بخطئها، وتابت من ‏ذلك، وهي تعمل على تسديد الديون ‏على مهل بقدر ما يتوفر لها من مال،‏ فهل الأولى في هذه الحالة أن ‏يعطيها أبوها مالًا للنفقة -مأكل، ‏ومشرب، وملبس - حتى تسدد ديونها ‏للناس، ولوالديها، أم الأولى أن تأكل ‏من مالها، وتسدد ما زاد منه، ولا ‏يجوز لها أن تأخذ نفقة من أبيها؟ ‏7-هذه البنت عملها عمل حر من ‏المنزل، ودخلها ليس ثابتًا، ولا منتظمًا ‏فتارة تستلم الأموال سريعًا، وتارة ‏تتأخر، وفي شهور تكون كثيرة، ‏وأخرى قليلة، أو شبه منقطعة، إلا أن ‏مقدار ما تكسبه في السنة يكفيها ‏وزيادة،‏ فهل عليها الاقتراض من أبيها لتنفق ‏على نفسها -مأكل، ومشرب، وملبس- ‏إذا تأخرت الأموال، أو شح العمل ‏إلى أن تستلم، أو يزيد العمل في ‏الشهور اللاحقة، أم إنه يجب على ‏أبيها أن ينفق عليها في حال شح ‏العمل، أو تأخر وصول المال ‏المكتسب، ولا يلزمها رد هذه النفقة ‏حال اليسار؟ أرجو الإجابة عن جميع أسئلتي دون ‏استثناء -‏ جزاكم الله الفردوس الأعلى من ‏الجنة -.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كانت البنت مستغنية بمال، أو كسب، فلا نفقة لها على أبيها.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:

أحدها، أن يكونوا فقراء، لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال، أو كسب يستغنون به، فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.

ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك.

وإذا أنفق الأب على ابنته الموسرة، أو أعطاها مالاً لغير حاجة تقتضي اختصاصها به، فالواجب عليه أن يسوي بين أولاده في تلك العطية.

قال البهوتي -رحمه الله-: نص أحمد في رواية صالح، وعبد الله، وحنبل، فيمن له أولاد، زوج بعض بناته، فجهزها وأعطاها، قال: يعطي جميع ولده مثل ما أعطاها، وعن جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل له ولد يزوج الكبير، وينفق عليه ويعطيه، قال: ينبغي له أن يعطيهم كلهم مثل ما أعطاه، أو يمنحهم مثل ذلك.

وقال ابن تيمية –رحمه الله-: .. فإنْ زاد على المعروف، فهو من باب النِحل، ولو كان أحدهما محتاجًا دون الآخر، أنفق عليه قدر كفايته، وأمّا الزيادة فمِن النِحل.

والتسوية تكون بأحد أمرين: إما بأن يعطي سائر أولاده مثل ما أعطى البنت، أو يرد ما أعطاه للبنت إن أمكن.

قال ابن قدامة: فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها، أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر.

يجوز التفضيل بين الأولاد في الهبات إذا تراضوا بينهم، وأذنوا في ذلك بطيب نفس.

قال الرحيباني –رحمه الله-: وَحَلَّ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ، وَأُمٍّ، وَغَيْرِهِمَا تَفْضِيلٌ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِإِذْنٍ بَاقٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ.

إذا كان على البنت ديون تعجز عن أدائها، فلا حرج على الأب في إعطائها المال دون غيرها من أولاده، ولا حرج عليها في أخذ هذا المال من أبيها.

قال ابن قدامة: فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده؛ لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه.

لا تجب التسوية بين الأولاد في الأمور اليسيرة التي يتسامح الناس بها في العادة، كيسير الطعام، والشراب، واستعمال أدوات البيت، ونحو ذلك.

قال البهوتي –رحمه الله-: ولا يجب التعديل بينهم في شيء تافه؛ لأنه يتسامح به، فلا يحصل التأثر.

يجب على الأب الموسر أن ينفق على بنته طالما كانت محتاجة، ولو كانت تقدر على الكسب؛ وراجعي الفتوى رقم: 25339.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني