الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو عن الأم الظالمة القاذفة ابتغاء وجه الله أولى من مقاضاتها

السؤال

مشكلتي بدأت منذ ولادتي، فقد ولدت في أسرة وجدت فيها الأم هي القائد والحاكم ولا دور للأب، كبرت تحت سلطة أمي المطلقة، ولو كانت سلطة حكيمة لما ساء حالي، لكني للأسف ابتليت بوالدة مصابة بجنون العظمة، تريد أن تعامل كأنها خالق لابنها لا سبب لإنجابهم للحياة، جميع أوامرها يجب أن تنفذ بدون سؤال حتى وإن لم تكن منطقية، حتى وإن تسببت بأذى وضرر لأبنائها، لا يمكن أن تعتذر أو تعترف بخطئها في حقنا، كانت السبب في ضياعي في الثانوية بإكراهي على دخول مسار لا أرغبه نكاية في عمتي التي دخلت مسارا مخالفا، وغيرها من الأسباب الواهية ، وحتى يومنا هذا لا تعترف أنها السبب، كرهت أسرة أبي فقطعت رحمنا حتى كبرنا لا نفرق بين عمومتنا ولا نعرف أبناءهم ولا يعرفنا منهم أحد! وبالمقابل ألصقتنا بأهلها الذين لم يكونوا أقل منها جنوناً وكبرياء، فتحملنا احتقارهم لنا وسوء معاملتهم وخباثة سريرتهم، اعتقدت أنني لو تزوجت سأتخلص من كل هذا، لكنها لم تتركني في حالي، حتى تطلقت، وكانت أحد أسباب طلاقي، ابتليت بمرض ابني بمرض عقلي، وتكالبت علي الديون، وتخلى طليقي عن ابنه، كل هذا، وهي تراني منكسرة ولا تشفق ولا ترحم ، كل جريمتي أنني انتفضت على سلطتها وأبيت إلا أن أصل أهلي، فسلطت علي إخوتي الرجال فلا يقضون لي مشوارا، واضطررت للخروج مع سائقين من كل شكل ولون لعلاج ابني ولعملي لأنفق على ابني، وسلطت علي أخواتي فلا يساعدنني في خدمة ابني، حتى غدوت غريبة بينهم، شكوت لوالدي عله يرحمني من جبروتها، فكان نصيبه الضرب ! رجل تجاوز 65 لم تحترم عجزه ومرضه! تطاولت يدها عليه ! من بعدها أصبحت أصمت ولا أشتكي خشيت أن تضربه مرة أخرى! رمتني وطفلي في أقذر غرفة في المنزل، واضطررت لبيع ذهبي لترميم الغرفة، المصيبة أنها تظهر نفسها بمظهر الضحية المسكينة أمام الناس، ولا أحد يعلم الجحيم الذي نعيش فيه بسببها، سعيت بكل جهدي للخلاص منها والزواج من جديد، لكن لا أريد زوجاً عن طريقها، ولا أريد لها أن تتدخل في حياتي حتى لا تفسدها مجدداً، حاولت مع صديقاتي في العمل، ولكنهن يعرفن حقيقتها، وكم من واحدة منهن قالت لي اعذريني، والدتك لا تعاشر ولا نريد التورط معها! لم يعد هناك أحد يطرق بابنا، وأنا وأخواتي بدون زواج، والسبب أن كل من تقرب منا عرف حقيقتها، فاختار السلامة بالبعد عنا، لذا وعن طريق موقع مخصص للزواج في بلدي تقدم إلي خاطب بطريقة شرعية محترمة، ولم يدر بيننا حديث يغضب الله سبحانه، واخترت أن يتم الزواج كله عن طريق الرجال فقط، لم يرض ذلك غرورها أن يتم الزواج عن طريق الرجال، فكيف لا تكون هي الرأس المدبر! وكيف يسير الأمر من دونها، فتآمرت علي هي وأولادها، واتهموني في عرضي! لم أصدق أن أمي تتهمني في شرفي! استغلت خروجي مع السائقين، وهي من دفعني لاستخدامهم! استغلت موقع الخطابة لتتهمني أنني خرجت مع خاطبي قبل الخطبة! ويعلم الله أنني لم أره إلا في منزل والدي خاطباً لي ! أنا أكبر إخوتي، وأكثرهم علماً، جعلت إخوتي وأخواتي ينظرون إلي على أنني رخيصة! كل هذا لتفشل زواجي ! لم يقف معي إلا والدي وأحد إخوتي ، سبحان الله كل أمر عابت به حماتها المتوفاة - ظلمًاً - أجدها اليوم تفعله! كلما قلت غداً تصلح الأمور أجدها تعقد الأمر أكثر، الآن علاقتي منقطعة تماماً مع كل من في البيت باستثناء والدي وأخي، وهم من يصبرني حتى أخرج وابني المريض من المنزل ، مهما كتبت لا يمكن أن أصف وحشية هذه المرأة، وشدة جبروتها وظلمها! لن تتغير، فأهلها كلهم هكذا، وهي تربت هكذا! تحملت الويلات منها طوال حياتي لكن أن تصل إلى القذف ! أريد أن أذهب للمحكمة، وأشتكيها هي وأبناءها، ولكن أخي قال لي إنه لا يمكن أن يحكم قاض لي في قضية أرفعها ضد والدتي ، فهل هذا صحيح؟ هل يجوز لها قذفي بدون أن تدفع الثمن هي وأبناؤها؟ لن أسامحها هي وأبناءها ما حييت بكل ما أذاقتني من مر الحياة والذل والهوان، لو كانت زوجة أبي لعلي كنت عذرتها ، أما أن يكون كل هذا الظلم صادر من أمي! أي أم هذه التي لم ترحم ضعفي، وقلت حيلتي، ومرض ابني، وتكالب الدنيا علي ! لا أحد يصدقني إذا حكيت، فكل الناس تقول الأم منبع الحنان والرحمة! وأنا لم أعرف في حياتي طعم الحنان والرحمة ! حسبي الله وكفى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن صح ما ذكرت فإن هذا من البلاء العظيم ، فمن أعظم الظلم ظلم من يظن أن يأتي منه العدل والإنصاف ، ومن تكون في قلبه الشفقة والرحمة ، وصدق من قال :

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة * على النفس من وقع الحسام المهند

وليس هنالك ما يمكن أن يتسلى به عند حلول البلاء من الصبر ، فهو السلوى عند كل بلوى ، وعواقبه محمودة بإذن الله تعالى ، وراجعي النصوص الدالة على ذلك في الفتوى رقم: 18103.

وإن من أخطر ما ورد في سؤالك كون أمك تتهمك في عرضك - ومن الغريب أن يحدث ذلك من الأم - فإن حدث هذا فقد يترتب عليه الوقوع في القذف والذي هو الاتهام بالفاحشة تصريحا أو تلميحا ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، وورد فيه الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة ، ويمكنك مطالعة بعض النصوص بهذا الخصوص بالفتوى رقم: 211225.

وأما بالنسبة لمقاضاتها، فإن مجرد مقاضاة الوالدين لا تعتبر عقوقا إذا لم يكن الابن ظالما؛ كما بيناه في الفتوى رقم: 75076 ، وللفقهاء خلاف هل يحد الوالد إذا قذف ولده أو لا ؟ ولكننا لا ننصحك بالإقدام على هذه الخطوة ، بل العفو أولى ، وهو قربة عظيمة ولو كان مع عامة المسلمين فكيف بالأم. وراجعي الفتوى رقم: 27841.
ومع كل ما حدث تبقى الأم أماً يجب برها والإحسان إليها ، هذا حق جعله الله تعالى لها على أولادها لا يسقط بسبب شرها وشراستها وقسوتها على أولادها ، وراجعي الفتوى رقم: 177997.

وإن من أعظم إحسانك إليها دعاؤك لها أن يرزقها ربها رشدها وصوابها، ويلين قلبها، ويذهب عنه القسوة والشر وحب الأذى. وهجر الوالدين لا يجوز ، ففيه قطيعة للرحم. وقد أجازه بعض العلماء في حدود ضيقة، وذلك فيما إذا رجي أن يكون فيه مصلحة لهما ، والغالب أن لا تكون فيه مصلحة.

وعليه؛ فلا يسوغ هجرهما بحال ، وانظري الفتوى رقم 135440.

ومن المنكر أيضا خوض بعض إخوتك في عرضك واحتقارهم لك ، وينبغي مناصحتهم بالحسنى ودعوتهم إلى التوبة. وهجرهم جائز إن رجوت في ذلك مصلحة شرعية ، وإن لم ترج من ذلك مصلحة فالأولى عدم الهجر، وراجعي الفتوى رقم 106731. ومقاضاتهم جائزة ، والعفو أولى كما أسلفنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني