الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصة صرع عمر للجني، وصحة قصة كثرة عيال أبي طالب

السؤال

ما صحة ما يروى عن عمر، وصرعه للجني؟ وهل هذه القصة صحيحة: يكثر في كتب التاريخ أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان كثير العيال، وهذا من أسباب فقرة، وفي الواقع ليس له إلا أربعة أبناء هم: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي؟ فكيف يكون كثير العيال -جزاكم الله خيرًا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير، والدارمي في سننه، وغيرهما أن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الْإِنْسِيُّ، فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: عَاوِدْنِي، فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ لَهُ الْإِنْسِيُّ: إِنِّي لَأَرَاكَ ضَئِيلًا شَحِيبًا كَأَنَّ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ، فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ ـ أَوْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ ـ قَالَ: لَا وَاللهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ، وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّالِثَةَ، فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ، فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ، قَالَ: هَاتِ عَلِّمْنِي، قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَهَا فِي بَيْتٍ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ، لَا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَعَبَسَ عَبْدُ اللهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَنْ يَكُونُ هُوَ إِلَّا عُمَرُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ-.

والحديث صححه الهيتمي في مجمع الزوائد، حيث قال: رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ، وَرِجَالُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَهُ، وَرُوَاةُ الطَّرِيقِ الْأُولَى فِيهِمُ الْمَسْعُودِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ اخْتَلَطَ، فَبَانَ لَنَا صِحَّةُ رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ بِرِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ. انتهى.

وأما أولاد أبي طالب: فستة، كما ذكر ذلك محب الدين الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: وجملة أولاد أبي طالب ستة، أربعة ذكور، وابنتان، والذكور: طالب، ومات كافرًا، وهو أكبر ولد أبي طالب، وبه كان يكنى، وعقيل، وجعفر، وعلي، وأم هانئ، وجمانة. انتهى.

وما ذكرته كتب السير والتاريخ من أن أبا طالب كان كثير العيال، يمكن أن يجاب عنه بأن كثرة الأولاد مسألة نسبية تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، أو يجاب عنه بما ذكره الدكتور محمد بن عبد الله العوشن في كتابه: ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية ـ حيث ذهب إلى ضعف القصة التي ورد فيها أن أبا طالب كان كثير العيال، فقال: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، قال: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له، وأراده به من الخير أن قريشًا أصابتها أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ للعباس عمه ـ وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، انطلق بنا إليه، فلنخفف عنه من عياله.. وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليًا، فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا، فضمه إليه... ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق، وسكت عنه، وحذفه الذهبي من التلخيص، وفي الإسناد علتان: الإرسال، وعنعنة ابن أبي نجيح، فهو مدلِّس، ويبعد أن يكون سيد قريش وكبيرها ـ في حينه ـ أبو طالب عاجزًا عن إعالة أبنائه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني