الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع لصاحب السلس، وهل التوتر أثناء الصلاة يبطلها؟ وحكم حبس الريح في الصلاة

السؤال

مشكلتي دمرت حياتي: أعاني من الوسواس في الصلاة، والطهارة، وأمور أخرى منذ ما يقارب الست سنوات؛ مما قادني إلى أمور يعجب لها السامع! وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أتبع خطة سأضعها ـ إن شاء الله ـ لنفسي، حتى أتخلص -بإذن الله- من هذا الأمر؟ فأريد مثلًا أن أصلي كل صلاتين بوضوء واحد، بالرغم من سلس البول والغازات اللذين أصاباني نتيجة كثرة غسل الفرج، والتوتر، والخوف من نزولهما، حتى إن الأمر تعدى إلى أكبر من ذلك، فأشعر بوجود شق داخل فرجي، وبت أخاف على عذريتي، فهل يجوز لي ذلك؛ لأنني مع كثرة الاستنجاء أصبحت لا أستطيع التحكم في شيء؟
الأمر الثاني: أعاني من شدة التوتر عند الصلاة إذا كان في انتظاري أحد، أو نادني أحد، أو إذا سمعت صوت الهاتف، ولأن صلاتي تأخذ مني وقتًا طويلًا، فقد أصبت بهذا الأمر؛ مما يؤدي بي إلى قطع صلاتي في أغلب الأوقات حتى أرد على الهاتف، أو أفتح الباب، أو أجيب أبي، فهل يجوز لي أن أكمل صلاتي مع وجود هذا التوتر، والقلق الذي أظنه يخل بطمأنينة الصلاة، لكنه دون إرادتي.
الأمر الثالث: هل يجب عليّ حبس الغازات في الصلاة، مع العلم أنها تتعبني، وتجعلني أتحرك كثيرًا في الصلاة حتى أحبسها؛ مما يخل بالطمأنينة؟ وهل يجوز لي أن أقف طبيعية دون حبسها، أو القبض على المنطقة.
الأمر الرابع: أعاني بشدة من موضوع نزول المني، فتحصل لي في اليوم عدة انقباضات في فرجي، لا أعلم لها سببًا إلا التوتر، والخوف، كما أنني أعاني من شبه إمساك، وهذا يدفعني إلى شدة الضغط على المنطقة حتى ينزل البراز، فهل هذا الضغط يسبب نزول المني، مع العلم أنه يسبب قبضًا وبسطًا للمنطقة أيضًا؟ وهل تجمع اللعاب عند الإسهال يعني أن المني نزل، كل هذه الأمور قادتني إلى الغسل عدة مرات في اليوم.
الأمر الخامس: إذا أقدمت على الوضوء، فهل يحق لي أن أدخل فيه مباشرة دون الالتفات إلى ما ينزل مني من غازات؟
الأمر الأخير: كنت قبل عدة سنوات أصلي بطريقة خاطئة بسبب الوسواس، فقد كنت كلما شككت في عدم الإتيان بركن أقوم بالإتيان بركعة زائدة نهاية الصلاة، وأنا الآن متيقنة ـ والله أعلم ـ أن كل هذه الشكوك كانت وساوس، فهل تلزمني إعادة تلك الصلوات؟ مع العلم أنني الآن أجد حرجًا في إتمام صلاة كل يوم، أي أنني أجد حرجًا في إعادة تلك الصلوات إذا كنت ملزمة بإعادتها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى لك الشفاء، والعافية، ونوصيك بالإعراض عن الوساوس، وعدم الاسترسال فيها، فذلك أنجع دواء لها، وراجعي الفتوى رقم: 51601، بهذا الخصوص.

وفيما يتعلق بأسئلتك فسنجيب عليها ـ بحول الله ـ وفق التسلسل الذي وردت به:

1ـ بما أنك مصابة بالسلس فيجوز لك الجمع بين صلاتين في وقت إحداهما، ويجوز أن يكون جمعك هذا جمع تقديم، أو جمع تأخير بحسب الأرفق بك، كما بينا في الفتوى رقم: 24945.

ثم إنه لا حرج عليك في العمل بالقول الأسهل في هذه المسألة، وهو قول المالكية الذين يرون أن الحدث الدائم لا ينقض الوضوء، ولا يعد هذا من تتبع الرخص المذموم، كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى رقم: 181305.

وبالنسبة لمذهب المالكية في المسألة، فراجعي بشأنه الفتوى رقم: 75637.

2ـ وفيما يخص التوتر الذي يصيبك أثناء الصلاة: فلا يؤثر في صحتها، ولا شيء عليك فيه، كما تقدم في الفتوى رقم: 211822.

ثم اعلمي أنه لا يشرع لك قطع الصلاة للرد على الهاتف، أو فتح الباب، أو ما شابه ذلك، خاصة إذا كانت فريضة، فحاولي تخفيفها، ولا تقطعيها، والتخفيف عمومًا ـ مع الإتيان بالأركان تامة ـ قد يكون أنسب لمن به سلس، وكذا لصاحب الوسواس.

3ـ وبالنسبة لحبس الريح في الصلاة، فإن كانت تأتيك باستمرار فحكمها حكم السلس، ولا يضر خروجها أثناء الصلاة، وإن كانت تأتيك في بعض الأحيان فقط، فحاولي الصلاة في الأوقات التي لا تأتيك فيها عادة، وفي العموم فإن الصلاة صحيحة مع حبس الريح إذا لم يخرج منها شيء، ولم يترتب على حبسها ترك ركن، أو واجب، مع كراهة الإقدام على الصلاة في هذه الحالة إذا أمكن تفاديها، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 93612، 165751، 101633.

4ـ وبالنسبة لما ينزل منك ولا تدرين هل هو مني أم لا، فالجواب أن المني له علامات بيناها في الفتوى رقم: 128091 فراجعيها.

وعلى فرض أنه مني فلا يجب عليك الغسل إلا إذا صاحبته شهوة، أو سببَتْه، عند جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، ثم إن كان المني دائمًا لم يلزمك الغسل عند الجمهور، لكن ينبغي عليكِ الوضوء لكل وقتٍ بنية استباحة الصلاة، فتصلين به فريضته وما شئت من النوافل، ثم إذا دخل وقت الفريضة الأخرى وجب وضوء جديد، وهكذا.. وانظري الفتوى رقم: 218467.

وننصحك بعرض حالتك على طبيب مختص؛ لأن نزول المني المتكرر دون سبب عادي ربما يكون ناتجًا عن مرض عضوي، فيرجع فيه إلى الطبيب.

5ـ أما دخولك في الوضوء ـ والحالة هذه ـ دون الالتفات إلى الحدث فصحيح؛ لأن صاحب سلس الريح الملازم له لا يضره نزول الحدث أثناء الطهارة، وكذلك الحال بالنسبة لبقية النواقض الملازمة، فالله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها وقد قال في محكم كتابه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

وراجعي الفتوى رقم: 138158.

6ـ وبالنسبة لمن شك في الإتيان بركن من أركان الصلاة، والحال أن شكوكه كثيرة تصل حد الوسوسة ـ كما هو حاصل معك ـ فقد ذكر أهل العلم أنه لا يلتفت للشك، ولا يسجد له، ويبني على الأكثر، ومنهم من يرى أنه يسجد بعد السلام ترغيمًا للشيطان، قال ناظم الأخضري:

وليتركِ الوسوسة الموسوسُ ولازم البعديَّ فيما يهجسُ.

أما من شكه غير دائم فيبني على اليقين، ويأتي بالركن الذي شك فيه؛ لأن الأصل عدم فعله، كما ذكرنا ذلك مفصلًا في الفتوى رقم: 156451.

ومع أن الموسوس محطوط عنه هذا الأمر ـ البناء على اليقين ـ إلا أنه لو عمل به فصلاته صحيحة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني