الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم العمل بفتوى لا يطمئن قلب المستفتي إليها

السؤال

‏باختصار شديد: إذا لم يطمئن قلبي ‏لقول من أفتوني بمذهب ابن تيمية -‏رحمه الله-في الطلاق المعلق، حتى ‏لو ترتب على ذلك البينونة الكبرى ‏بيني وبين زوجتي، ولن أستطيع ‏الرجوع إليها إلا بعد أن تنكح زوجا ‏آخر، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل.
‏فهل يجوز الأخذ بقول ابن تيمية مع ‏عدم اطمئنان قلبي؟
هل الاطمئنان ‏القلبي شرط لبراءة الذمة أمام الله؟
‏جزاكم الله خيرا.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز العمل بفتوى المفتي، ما لم تطمئن نفس المستفتي إليها.
يقول ابن القيم -رحمه الله-في إعلام الموقعين: لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {استفت نفسك وإن أفتاك الناس، وأفتوك}. فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك ...

إلى أن قال: فإن كان عدم الثقة، والطمأنينة لأجل المفتي، يسأل ثانيا، وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة؛ فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة. اهـ.

واستفتاء النفس ليس معناه أن مسائل الحلال والحرام تأخذ بفتوى النفوس، بل لا بد فيها من سؤال أهل العلم، والأخذ بما يقولون، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 199943، كما أنه مقيد بالمسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف بين العلماء، وأما ما جاء فيه النص الصريح من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، فليس للمؤمن إلا طاعة الله تعالى، وطاعة، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا محل لاستفتاء القلب فيه؛ إذ أن ميلَ النفس إلى غير النص، إنما هو اتباع للهوى كما بينا في الفتوى رقم: 203989
وبهذا يتبين أن عليك الأخذ بالقول الذي تطمئن إليه نفسك في هذه المسألة، وهو هنا قول الجمهور الذي عليه الفتوى عندنا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 178975.

وهذا إذا كان عدم طمأنينتك بسبب معتبر كترجح أدلة القول الآخر لديك، أو نحو ذلك. أما إن كان سببه الوسواس، أو ما شابه، فلا تلتفت إليه.
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين: صاحبَ الخير الذي وُفق للبر، هو الذي يتردد الشيء في نفسه، ولا تطمئن إليه، ويحيك في صدره، فهذا هو الإثم.

وموقف الإنسان من هذا أن يدعه، وأن يتركه إلى شيء تطمئن إليه نفسه، ولا يكون في صدره حرج منه، وهذا هو الورع؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: ((وإن أفتاك الناس، وأفتوك)) حتى لو أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن، ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر ، إلا إذا علمت أن في نفسك مرضاً من الوسواس، والشك والتردد فيما أحل الله، فلا تلتفت لهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما يخاطب الناس، أو يتكلم على الوجه الذي ليس فيه أمراض، أي ليس في قلب صاحبه مرض، فإن البر هو ما أطمأنت إليه نفسه، والإثم ما حاك في صدره، وكره أن يطلع عليه الناس. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني