الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم السفر من أجل التعزية

السؤال

هل السفر لغرض العزاء للأقارب، والأرحام، والأصدقاء فيه مخالفة للسنة؟
وكيف يعمل من سافر سفرا فيه معصية، إذا كان القصر فرضا عنده كما يراه من يراه من أهل العلم؛ لأن هناك من العلماء من يراه فرضا، وهناك من يراه سنة. فعلى القول بفرضيته ما العمل؟
أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه يجوز السفر من أجل تعزية أهل الميت، إذا كان ذلك ميسوراً، وبشرط ألا يكون فيه تكلف، أو مشقة قد تكون خارج وسع المرء، وعلى من وجد مشقة في ذلك أن يكتفي بالتعزية من خلال الهاتف، أو البريد، ونحو ذلك من وسائل الاتصال، مع أنه لم يكن السفر له من هدي السلف؛ وراجع الفتوى رقم: 99518 .

وأما سفر المعصية، فلا تستباح فيه رخص السفر كالقصر، والجمع، عند الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد خلافا لأبي حنيفة والظاهرية.

قال ابن قدامة رحمه الله: ولا تباح هذه الرخص في سفر المعصية كالإباق، وقطع الطريق، والتجارة في الخمر، والمحرمات. نص عليه أحمد. وهو مفهوم كلام الخرقي؛ لتخصيصه الواجب والمباح، وهذا قول الشافعي، وقال الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة: له ذلك؛ احتجاجا بما ذكرنا من النصوص، ولأنه مسافر، فأبيح له الترخص كالمطيع. ولنا قول الله تعالى: { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173}. أباح الأكل لمن لم يكن عاديا، ولا باغيا، فلا يباح لباغ، ولا عاد. قال ابن عباس: غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، يخيف السبيل، ولا عاد عليهم. ولأن الترخص شرع للإعانة على تحصيل المقصد المباح، توصلا إلى المصلحة، فلو شرع هاهنا لَشُرع إعانة على المحرم، تحصيلا للمفسدة، والشرع منزه عن هذا، والنصوص وردت في حق الصحابة، وكانت أسفارهم مباحة، فلا يثبت الحكم في من سفره مخالف لسفرهم، ويتعين حمله على ذلك جمعا بين النصين، وقياس المعصية على الطاعة بعيد، لتضادهما. انتهى.

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في "الشرح الممتع على زاد المستنقع": فلو سافر الإنسان سفرا محرما، لم يبح له القصر؛ لأن المسافر سفر معصية لا ينبغي أن يرخص له، إذ أن الرخصة تسهيل وتيسير على المكلف، والمسافر سفرا محرما لا يستحق أن يسهل عليه، ويرخص له؛ فلهذا منع من رخص السفر، فمنع القصر في الصلاة. اهـ.

وقد ذهب الإمام أبو حنيفة، وشيخ الإسلام، وجماعة من العلماء إلى أنه لا يشترط الإباحة لجواز قصر السفر، وأن الإنسان يجوز أن يقصر حتى في السفر المحرم، لكن الصحيح القول بالتحريم، وهو الاحتياط.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني