الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الإنسان مجبر على الطاعة أم يفعلها مختارا؟

السؤال

هل أنا كمسلم مجبر على طاعة ربي، أو أني أختار أن أطيع ربي؟
مثال: هل أنا مجبر على أداء الصلوات، وصيام رمضان أو أني أختار أن أصلي وأصوم؟
هل أجبر نفسي على الفرائض، أو أختار أن ألزم نفسي عليها؟
الفرق هو في: إعطاء نفسي الاختيار أو لا؟ بدلا من أن أطيع طاعة عمياء.
أريد أن أعرف الاعتقاد الصحيح الذي يجب أن أعتقده بخصوص العبادات الواجبة.
وبشكل مفصل مع الأدلة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن عقد الإسلام يوجب على المسلم الوفاء بما يقتضيه هذا العقد من حقوق، والتزامات. وهذا يقتضي من المسلم الطاعة والامتثال شرعا لا كونا، ومن ثم فهذا الوجوب الشرعي لا يتعارض مع كون المسلم له مشيئة واختيار، فهو مخير تخييرا كونيا في أداء الفرائض من عدمه؛ بمعنى أنه غير مجبور كونا على أدائها، لكن إيمانه بدينه يحثه على الوفاء بحقوق الإسلام، وكلما كان إيمانه أقوى، كان أشد امتثالا لأوامر الله، ووفاء بحقوقه من قبل نفسه.
وانظر الفتوى رقم: 77094
وينبغي للمسلم أن يستحضر نية الامتثال والاحتساب عند قيامه بالواجبات وغيرها، فهذا أعظم أجرا له مما لو فعل الطاعة دون استحضار تلك النية.

" لأن من أحضر نية الإيمان والاحتساب إذ ذاك، كان أعظم أجرا ممن كان غافلا عنها أو ساهيا، ألا ترى إلى ما ورد عنه صلوات الله عليه وسلامه في الصوم الواجب: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما بين رمضان إلى رمضان) وقد تقرر في الصوم ما قد تقرر فيه من قوله صلى الله عليه وسلم مخبرا عن ربه عز وجل يقول: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزى به) فهذا أجره كما ترى، لكن لما أن زاد هذا نية الإيمان والاحتساب، زيد له في مقابلته مغفرة ما بين رمضان إلى رمضان. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه) وقيام رمضان فيه الأجر ابتداء، لكن لما أن زاد هذا في نيته إحضار الإيمان والاحتساب، زيد له في مقابلته مغفرة ما تقدم من ذنبه. وكذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها، فهو له صدقة) والنفقة على الأهل واجبة، والواجب على ما تقرر أجره أعظم وأفضل من غيره، لكن لما أن زاد هذا نية الاحتساب في فعله، زيد له على أجر الواجب أجر صدقة. انتهى.

وإحضار ذلك هو أنه إذا فعل الفعل يستحضر الإيمان إذ ذاك، وأنه ممتثل أمر الله عز وجل على ما أمر به صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه منقادا مطيعا من قبل نفسه، لا مجبرا، ولا مستحيا بل ممتثلا للأمر ليس إلا، والاحتساب أن يحتسب تعب الفعل الذي يفعله ومشقته على الله تعالى، لا على غيره من عوض يأخذه، أو ثناء، أو مدحة، أو مظلمة ترتفع عنه، أو يرجع إليهن، أو يسمع قوله أو إشارته، بل يكون ذلك خالصا لربه عز وجل، لا يريد به بدلا، فإذا فعل الفعل الذي يفعله على هذه الصفة، وهذا الترتيب فقد أتى بالمقصود والمراد، وقد كمل النية وأتمها ونماها، فيرجى له أن يحصل له ما وعده صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه على ذلك الفعل إن شاء الله تعالى (ومن أصدق من الله قيلا) (ومن أصدق من الله حديثا) وهذه القاعدة مطردة في جميع الأعمال كلها دقيقها، وجليلها واجبها، ومندوبها " المدخل لابن الحاج العبدري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني