الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التصوير واقتناء الصور وتعليقها

السؤال

أعلم أنه موضوع تُكلم فيه كثيرا، لكن عندي أسئلة بالنسبة للتصوير الشمسي.
قال المجيزون إنه لا يعتبر مضاهاة، وأعتقد أن جوابهم كان منطقيا. لكن كيف يردون على حجة تعلق القلوب بالصور، وخوف الإشراك بالله، مع أنها أشد من الصور القديمة؟
الحجة الأخرى هي: لا تدع صورة إلا طمستها. فكيف نصور مع أننا مأمورون بالطمس؟
أرجو الرد على تينك الحجتين.
كيف يقول الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- أن التصوير لا بأس به، لكن الاحتفاظ بالصورة حرام؟ أليس الناس يصورون ليحتفظوا بالصور؟
الفقرة الأخيرة هي: هل يجوز تعليق الصور غير الكاملة مثل رؤوس الحكام على الجدران؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليست علة تحريم التصوير قاصرة على المضاهاة لخلق الله تعالى، فهناك علل أخرى يذكرها المانعون من التصوير؛ راجعها في الفتوى رقم: 10888.

فإن فرضنا أن بعض أنواع التصوير يخلو من علة المضاهاة، فهذا لا يكفي، حتى تنتفي بقية العلل.
وبالنسبة لمن يبيح التصوير بالآلة، فإنه يرى أن العمل هنا للآلة وليس للإنسان فيه فعل، وبالتالي فلا مضاهاة! ومع ذلك فإن وجدت علة أخرى للتحريم كتعظيم الصورة، والتعلق بها، فإنها تمنع من هذا الوجه.
وبالنسبة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فإنه بيَّن عدم التلازم بين التصوير بالآلة، وبين اقتناء الصورة، كما أوضح الفرق عنده بين ذلك، وبين التصوير باليد، فقال: التصوير بالآلات الحديثة نوعان:

1- نوع يحتاج إلى تحميض، وتعديل باليد، فهذا للتحريم أقرب؛ لأن الإنسان له فيها عمل بيده.

2- نوع فوري لا يحتاج الإنسان فيه إلى عمل، فهذا لا يدخل في التصوير المحرم؛ لأن الرجل لم يصوِّر حقيقة، والتصوير تفعيل مِن صَوَّرَ الشيءَ أي: جَعَلَه على صورة معينة، ومُلْتَقِط الصورةَ بالكاميرا لم يعمل شيئاً، غاية ما هناك أنه سلط أضواء معينة على جسم، فانطبع هذا الجسم؛ ولهذا يحدث هذا التصوير من الرجل الأعمى، ومن الإنسان المبصر، وهو في ظلمة، وليس له فيه أي عمل. لكن يخفى على بعض الناس الفرق بين التصوير، وبين اقتناء الصور، فيظن أنهما متلازمان، وهما ليسا كذلك. ولهذا فرق الفقهاء بينهما، فقالوا: يحرم التصوير، واستعمال ما فيه صورة، فجعلوا التصوير شيئاً، وجعلوا استعمال ما فيه صورة شيئاً آخر.

فنقول: اقتناء الصور لا يجوز إلا للضرورة، أو إذا كانت الصورة لا يؤبه بها كما يوجد في الكراتين، وفي علب بعض المشروبات، فهذا لا يؤبه به، وليس مقصوداً؛ ولكن الشيء المقصود هو الذي يُحْفَظ، فهذا لا يجوز إلا للضرورة، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس الآن من التصوير للذكرى، واقتناء ذلك ليتذكره؛ ليتذكر أولاده وهم صغار، أو ليتذكر رحلة قام بها مع أصحابه، فإن هذا لا يجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. قد يقول بعض الناس: إن هذا تناقض، كيف تقول في الأول عند التقاط الصورة: إن هذا ليس بتصوير، ثم تقول: اقتناء هذه الصورة يحرم إلا لحاجة؟! فنقول: لا تناقض؛ لأن الصورة موجودة الآن ولو بالآلة، فيقال: هذه صورة لا تقتنيها. والدليل على هذا: أن الرجل يقابل المرآة مثلاً، فإذا قابل المرآة قيل: هذا -أي: الذي في المرآة- صورة مع أنها لا تبقى، فالصورة أعم من كونها مصورة باليد، أو مصورة بالآلة، وعموم الحديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) يشمل هذا وهذا. اهـ.
وقال في موضع آخر: الصور الفوتوغرافية الذي نرى فيها: أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فوراً وليس للإنسان في الصورة أي عمل، نرى أن هذا ليس من باب التصوير، وإنما هو من باب نقل صورة صورها الله - عز وجل - بواسطة هذه الآلة، فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد، ويضاهي به خلق الله، ويتبين لك ذلك جيداً بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها في الآلة الفوتوغرافية، فإن هذه الصورة التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلاً، والناس يعرفون أن هذا كتابة الأول، والثاني ليس له أي فعل فيها. اهـ.

وقال: اقتناء الصور على أقسام:

ـ القسم الأول: أن يقتنيها لتعظيم المصور; لكونه ذا سلطان، أو جاه، أو علم، أو عبادة، أو أبوه أو نحو ذلك; فهذا حرام بلا شك، ولا تدخل الملائكة بيتا فيه هذه الصورة; لأن تعظيم ذوي السلطة باقتناء صورهم ثلم في جانب الربوبية، وتعظيم ذوي العبادة باقتناء صورهم، ثلم في جانب الألوهية.

ـ القسم الثاني: اقتناء الصور للتمتع بالنظر إليها، أو التلذذ بها; فهذا حرام أيضا; لما فيه من الفتنة المؤدية إلى سفاسف الأخلاق.

ـ القسم الثالث: أن يقتنيها للذكرى حنانا، أو تلطفا، كالذين يصورون صغار أولادهم لتذكرهم حال الكبر. فهذا أيضا حرام؛ للحوق الوعيد به في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة".

ـ القسم الرابع: أن يقتني الصور لا لرغبة فيها إطلاقا، ولكنها تأتي تبعا لغيرها; كالتي تكون في المجلات، والصحف ولا يقصدها المقتني، وإنما يقصد ما في هذه المجلات والصحف من الأخبار، والبحوث العلمية ونحو ذلك; فالظاهر أن هذا لا بأس به; لأن الصور فيها غير مقصودة، لكن إن أمكن طمسها بلا حرج ولا مشقة; فهو أولى.

ـ القسم الخامس: أن يقتني الصور على وجه تكون فيه مهانة ملقاة في الزبل، أو مفترشة، أو موطوءة; فهذا لا بأس به عند جمهور العلماء. اهـ.

وأما السؤال الأخير، فجوابه أن الصورة بالأساس إنما تعرف بالرأس، ولهذا جاء في الحديث: الصورة الرأس؛ فإذا قطع الرأس فلا صورة. رواه الإسماعيلي، وصححه الألباني.

وروي هذا المعنى عن عدد من الصحابة والتابعين، وهذا يدل على أن المعتبر في تحريم الصورة هو الرأس، فلا يجوز تعليق صورة الرأس مفردة. وراجع للفائدة الفتويين: 33103، 136256.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصورة إذا قطع منها ما لا تبقى معه الحياة، لم تكن صورة محرمة، سواء قطع الرأس، أو قطع النصف الأسفل مثلا، وعلى هذا القول لا حرج في تعليق هذه الصورة إلا أن يكون ذلك للتعظيم فيمنع.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز تعليق الصور في الجدران، ولا في المكاتب ولا غيرها مطلقاً، بل الواجب طمسها؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم - : { لا تدع صورة إلا طمستها} ولأن تعليقها يفضي لتعظيمها، وعبادتها من دون الله إذا كانت من صور المعظمين كالملوك والزعماء، وإن كانت من صور النساء والمرادان فتعليقها من أسباب الفتنة بها. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني