الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم اليقين بالإخلال ببعض أركان العبادة بعد الفراغ منها، وحكم الشك

السؤال

كنت في السابق غير ملتزم، وأنظر إلى الحرام، أما الآن ـ والحمد لله ـ فقد هداني الله إلى الحق، وتبقى مشكلة الصلاة، فإنني أشك أنني كنت أسرع فيها، أو لم أسمع نفسي القراءة، أو عدم الطمأنينة فيها، فهل يجب قضاء ما فات من الصلوات؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل يجب عليّ أن أترك الخروج مع الأصحاب والترفيه؟ وكم يلزمني أن أصلي في اليوم حتى أقضي ما فات؟ وبعد هدايتي فإنني عندما كنت أغتسل للجنابة، لم أكن أحرص على غسل السرة، والأغلب أنني لم أغسلها، ولا أدري هل قرأت الحكم سابقًا ونسيته، أم لا، وهل سؤالي هذا يعد من تتبع الرخص؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئًا لك بالهداية إلى الحق، والالتزام به، ونسأل الله تعالى لنا ولك القبول، والثبات، واعلم أن الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يبطلها، ومن ثم فإذا كان ما بك مجرد شك في أنك كنت تصلي بدون طمأنينة، أو تشك في إسراع القراءة على نحو يسقط بعض الحروف، أو يغير المعنى، أو ما شابه ذلك مما يخل ببعض أركان الصلاة، فلا تلتفت إلى هذا الشك؛ لأن الأصل أن صلاتك وقعت صحيحة مستوفية كل الأركان، والشك في صحتها بعد فراغك منها لا يؤثر.

وأما إذا كنت متيقنا يقينًا جازمًا بأنك قد صليت بعض الصلوات دون الإتيان ببعض أركانها، فالواجب عليك عند جماهير العلماء إعادة هذه الصلوات؛ لأنها دين في ذمتك، فلا تبرأ إلا بقضائها، وقضاؤها يكون حسب طاقتك بما لا يضر ببدنك، أو معيشة تحتاجها، فالله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ففي حاشية الروض: يجب قضاء الفوائت فورًا؛ وذلك ما لم يتضرر في بدنه، والتضرر أن يلحقه مشقة، أو نقص في بدنه بضعف، أو خوف، أو مرض، أو نصب أو إعياء، وهو أقل من النصب؛ لأن النصب هو التعب، فتسقط عنه الفورية إلى القدرة بلا ضرر، والمريض يقضيها وإن كان جالسًا، ما لم يتضرر، ولا يؤخرها ليصلي قائمًا، أو معيشة يحتاجها، كفوات شيء من ماله، أو ضرر فيه، أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فيسقط الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر؛ لقوله: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. اهــ بتصرف قليل. وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير على مختصر خليل المالكي: فالواجب حالة وسطى، فيكفي أن يقضي في اليوم الواحد صلاة يومين فأكثر، ولا يكفي قضاء يوم في يوم إلا إذا خشي ضياع عياله إن قضى أكثر من يوم. اهــ. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن قضاء الفوائت غير واجب، لكن قول الجمهور هنا أحوط، وأبرأ للذمة.

وبالنسبة لشكك في غسل السرة أثناء غسل الجنابة: فالحكم فيه كالحكم فيما تقدم، إلا أننا ننبهك هنا إلى أن غلبة الظن في تعميم الجسد بالماء كافية، ولا يلزم إمرار اليد على الأعضاء بعد صب الماء؛ إذ الدلك عند الجمهور غير واجب، بل سنة خلافًا للمالكية.

كما ننبهك إلى أن إسماع القارئ نفسه في الصلاة ليس واجبًا عند بعض أهل العلم، ولا مانع من الأخذ بهذا القول، ولو لم يكن هو الراجح، فقد بينا في الفتوى رقم: 125010، أن الأخذ بالقول المرجوح بعد وقوع الفعل، وتعذر التدارك مما يسوغه كثير من العلماء.

وبالنسبة للسؤال الأخير، فالجواب أننا لا نرى أن سؤالك هذا من تتبع الرخص، بل هو سؤال من يستفتي في أمور دينه وما يشكل عليه، وذلك هو عين الصواب؛ لقول المولى جل جلاله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}.

ولعل السائل الكريم مصاب بشيء من الوسواس، فنوصيه بالإعراض عنه، وعدم الإسترسال فيه، ولمزيد الفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 140186، 151865، 51601.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني