الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إقدام غير القادر على النفقة الواجبة على الزواج

السؤال

أنا متخرج من الثانوي بعد يومين. ما حكم أن أتزوج مع عدم قدرتي على الإيفاء بنسبة 100% من ناحية المال، ولكن لدي ما يكفي إن شاء الله. الوالد ميئوس منه من ناحية الدعم المالي، ولكن لدي راتب بسيط (3000 ريال) تزيد وتنقص.
جزاكم الله خيرا، وأرجو الإجابة سريعا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه السائل أولا إلى أن الفقهاء حددوا النفقة الواجبة للمرأة على زوجها بقدر كفايتها في المأكل والمسكن والملبس، بحسب يسار وإعسار كل من الزوجين، وهذا أمر نسبي يختلف باختلاف الأعراف والأشخاص. وللمزيد في تقرير مقدار النفقة الواجبة تنظر الفتوى رقم : 105673.

فإذا تبين للسائل على ضوء ما سبق قدر النفقة الواجبة عليه للمرأة التي يرغب في نكاحها فلينظر : فإن كان قادرا عليها فالمستحب في حقه أن يبادر إلى نكاحها امتثالا لأمر النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله :"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" متفق عليه ، فإن خشي بترك النكاح الوقوع في الحرام وجب عليه النكاح عندئذ سدا لذرائع الحرام.

قال الموفق ابن قدامة في بيان هاتين الحالتين: فَصْلٌ : وَالنَّاسُ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ; مِنْهُمْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ النِّكَاحَ , فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ , وَصَوْنُهَا عَنْ الْحَرَامِ , وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ . الثَّانِي: مَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ , وَهُوَ مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ , فَهَذَا الِاشْتِغَالُ لَهُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ . وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ . وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , وَفِعْلِهِمْ . اهـ من المغني.
أما إذا لم يقدر على النفقة الواجبة وجب عليه بيان ذلك للمرأة التي يرغب في نكاحها ، فإذا رضيت به على ما هو عليه جاز له نكاحها على التفصيل المتقدم بين الوجوب والاستحباب ، وإلا فلا ينبغي له الإقدام على نكاحها مع العجز عن الوفاء بنفقتها الواجبة دون بيان ذلك ، لما في ذلك من تعريض المرأة للإضرار، والنكاح للفسخ بالإعسار ، قال القرطبي : فَمَتَى عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أو صداقها أو شيء مِنْ حُقُوقِهَا الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يُبَيِّنْ لَهَا، أَوْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى أَدَاءِ حُقُوقِهَا. اهـ من الجامع لأحكام القرآن.

وقد قال بعض أهل العلم بحرمة النكاح إن أدى إلى الوقوع في الحرام، وهو ما أوضحناه في الفتوى رقم : 66879 .

وأما بالنسبة لوالدك فإن كان معسرا فلا خلاف في أنه غير مطالب بتزويج ابنه على نفقته ، وإن كان موسرا فالجمهور على عدم الوجوب أيضا خلافا للحنابلة، والمرجح عندنا هو ما ذهب إليه الجمهور؛ كما أوضحناه في الفتوى رقم :23574.

وأخيرا فينبغي للمؤمن العاقل أن يقصد بنكاحه مرضاة ربه وإعفاف نفسه ، فإن هذه النية كفيلة بتحقيق موعود الله ورسوله بإغناء الناكح من الفقر، وقد بسطنا الكلام على ذلك في الفتوى رقم : 7863 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني