الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المجتهد المخطئ المصر على رأيه والصلاة خلفه

السؤال

ما حكم من اجتهد في مسألة شرعية وأخطأ فيها؟ وكيف نتعامل معه؟ وهل تجوز الصلاة خلفه؟ وإذا بُيّن له خطؤه ولم يتراجع عنه، فهل يعتبر منافقاً؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كانت هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وكان هذا الشخص من أهل الاجتهاد، فإنه مأجور على اجتهاده، ومثل هذه المسائل لا يتعين المصيب فيها، وإن كان المصيب فيها واحدا، ومن ثم فوجود الخلاف في هذه المسائل لا يوجب العداوة والشقاق، ولا يسلب العدالة فضلا عن أن يوصف الشخص بالنفاق لكون اجتهاده أداه إلى قول معين، والحاصل أن مسائل الاجتهاد التي وسعت المسلمين ليس على أحد حرج في الذهاب إلى ما أداه إليه اجتهاده فيها، ولا ينكر عليه قوله هذا ولا يهجر، ولا يثير مثل هذا النوع من الخلاف عداوة، بل هذا الشخص مأجور وإن أخطأ ما في نفس الأمر، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ: هَلْ يُقَالُ: كُلٌّ مُجْتَهِد مُصِيبٌ؟ أَمِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ؟ وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّهُ إِنْ أرِيدَ بِالْمُصِيبِ الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ فَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَهَذَا عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَسَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ عنِيَ بِالْمُصِيبِ الْعَالِمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَالْمُصِيبُ لَيْسَ إِلَّا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ، وَهَذَا كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ، إِذَا أَفْضَى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْفَرْضُ سَاقِطٌ عَنْهُ بِصَلَاتِهِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي اعْتَقَدَ أَنَّهَا الْكَعْبَةُ، وَلَكِنَّ الْعَالِمَ بِالْكَعْبَةِ الْمُصَلِّيَ إِلَيْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ، وَهَذَا قَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَأَجْرُهُ أَعْظَمُ، كَمَا أَنَّ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.

وكلام العلماء في هذا المعنى، وأنه لا ينكر على المجتهد في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف كثير جدا، وأما إن كانت هذه المسألة مما لا يسوغ فيه الخلاف، أو كان الشخص ممن لا يسوغ له الاجتهاد لعدم أهليته فهو مخطئ متعرض للوعيد؛ لقوله في دين الله بغير علم، فيجب أن يناصح، ويبين له أنه ليس له أن يجتهد حتى تكتمل آلته، ويكون أهلا للكلام في دين الله تعالى، فإن الكلام في دين الله تعالى شديد.

وأما الصلاة خلفه: فجائزة بكل حال ما لم يرتكب مكفرا يخرج به عن الملة، ولا يسوغ الاجتراء على وصف مسلم بالنفاق ولا التسرع في التفسيق والتبديع، فإن ذلك مخطرة عظيمة، وأنت لم تذكر مسألة معينة يمكننا الحكم على المخالف فيها، ومن ثم ذكرنا لك هذه الضوابط العامة، والتي يتعين العمل بها حذرا من الفرقة والشقاق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني