الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التصرف الشرعي للفتاة إذا رفض أبوها مقابلة الخطاب

السؤال

ما حكم تصرف أب لا يقبل استقبال الخطاب لابنته التي بلغت سن الزواج، ويرفضهم دون الحكم عليهم؟ علما بأن هذا الأب بصحة جيدة وفي كامل طاقته العقلية، ولا يعتني بالفتاة منذ صغرها ـ لا بلباسها ولا بدراستها ـ بل الأمر متروك لإخوتها الذين يكبرونها سنا، فهم من يكفلها حتى في الجانب الدراسي، وهذا الأب لا يعتني بزوجته أيضا لا في ملبس ولا في الأمور الشخصية، ولا يعطي للزوجة والبنت مالا لبعض جوانب الحياة، لذلك فهما تأخذان ما تحتاجانه خلسة منه لتلبية حاجياتهما الأساسية، ولديه مصدر حلال لجلب المال لكــنهما لا تريان منه شيئا؟ جاء للفتاة خاطب من بلاد غربية لكنها مسلمة، والرجل ذو أخلاق ودين وحافظ لكتاب الله، والجيران والناس يشهدون على ما أقول، وعامل بسيط يسترزق بالحلال ولديه أهداف نبيلة في الحياة، وأعجب بالفتاة بعد الرؤية الشرعية وأعجبت به، فرفضه أبوها وأصر على عدم الموافقة دون أسباب شرعية، فما حكم الدين؟ وما هو الحل الأنسب لتعيش الفتاة حياة هنيئة وكريمة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تكفل الإسلام للمرأة بحياة كريمة في ظل تشريعاته الحكيمة زوجةً كانت أو بنتًا، وفي خصوص موضوع السؤال فليس للأب أن يفرط في شيء من حقوق ابنته أو زوجته المادية منها والمعنوية، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أحمد، وصححه الألباني.

ولذلك يسأل يوم القيامة عن هذه الحقوق، كما في سنن النسائي الكبرى، وصححه الألباني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.

وللزوجة أخذ نفقتها الواجبة لها ولابنتها من مال زوجها بالمعروف، ولو بغير علمه إذا امتنع عن أدائها، فعن عَائِشَةَ: أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ. رواه البخاري.

وعلى العموم، فللزوجة والبنت حق المطالبة بسائر حقوقهما الشرعية المادية والمعنوية والمرافعة عنها إن اقتضى الأمر وتضررتا بذلك، علما بأن تفريط الوالد في حقوق ابنته لا يسقط ولايته في إنكاحها، وللوقوف على حقوق الأولاد على الآباء تنظر الفتاوى التالية أرقامها : 211768، 23307، 190121.

والنكاح من أهم الحقوق الشرعية للبنت إذا بلغت سن الزواج، وليس للأب أن يمنعها من حقها بحكم ولايته عليها ويرد الخطاب، إلا بمسوغ شرعي كمرض الخاطب وسوء خلقه وفساد دينه، فإن منعها في الحال التي ليس له فيها منعها فقد وقع في العضل المنهي عنه، والعضل المنهي عنه له صور متعددة عند الفقهاء، وترجع في مجملها إلى نوعين، عام يشمل سائر الخطاب كامتناع الأب من مقابلة الخطاب دون علمه بعدم كفاءتهم، أو إعراض الخطاب عن خطبة الفتاة لتعنته في الشروط، قال المرداوي: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابن تيمية: مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ: إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ. انتهى.
وأخرى يكون العضل شخصيا كرد الخاطب الكفء المعين، قال الموفق ابن قدامة: وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، قَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: زَوَّجْت أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْت لَهُ: زَوَّجْتُك، وَأَفْرَشْتُك، وَأَكْرَمْتُك، فَطَلَّقْتهَا، ثُمَّ جِئْت تَخْطُبُهَا، لَا وَاَللَّهِ لَا تَعُودُ إلَيْك أَبَدًا ـ وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ـ فَقُلْت: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ ـ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. اهـ.
فإذا كان الخاطب المتقدم للفتاة مشهودا له بحسن الأخلاق والديانة، فمثله كفء على الصحيح، فلا يجوز للأب رده، وإن كان عاملا بسيطا من بلاد غربية، لعموم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في الإرواء.

وللمزيد في بيان القول الراجح في معيار الكفاءة في الزواج تنظر الفتوى رقم: 998.
والحل المناسب لمشكلة الزواج إذا لم تُجدِ المناصحة مع الأب هو الترافع إلى القضاء الشرعي، فإذا ثبت العضل لدى القاضي أسقط ولاية الأب في إنكاح البنت، ومن ثمّ فإما أن يتولى القاضي إنكاحها وفاقا للشافعية ورواية عن أحمد، أو أن يحدد القاضي الولي الشرعي التالي في ترتيب الولاية في النكاح، وقد بينا اختلاف العلماء فيه، كما في الفتوى رقم: 129293.

وينظر خلاف الفقهاء فيمن تنتقل إليه ولاية النكاح عند عضل الأب في الفتوى رقم : 32427.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني