الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم زواج الابن والعمل دون علم أبيه

السؤال

أنا شاب ملتزم ـ والحمد لله، أسال الله الثبات لنا ولكم ـ وعمري 26 عاما، ولا أعمل وأسكن مع أهلي، علما بأن أبي مغترب في دولة خليجية هو وأخي, وأنا الذي أسكن مع أمي وأخواتي, وهذا يثير غضبي لـ 3 أسباب: هي:
1ـ أن أبي يريدني أن أكون بالمنزل للخدمة فقط دون التدخل في شؤون المنزل أو شؤون أخواتي بسبب التزامي وإنكاري المستمر ونصحهن عن المعاصي كالأغاني والمسلسلات والمحادثات المختطلة عن طريق التواصل الاجتماعي كالتويتر والفيس.... إلخ، من مفاتن عصرنا الحالي, وهذا يسبب لي ضغطا نفسيا ويشعرني بشعور فيه نقص للرجولة أو الدياثة ـ والعياذ بالله ـ ويجعلني في مزاج حاد غالبا في البيت رغم مجاهدة النفس علما بأن أسرتي ليست بأسرة متدينة، بل متوسطة.
2ـ أن وضعي الحالي يشكل لي عقبة عن ممارسة تأسيس حياتي للعمل والزواج وتكوين أسرة... إلخ, علما بأنني أعاني من الرغبة في الزواج بشدة وأفكر في اللجوء إلى زواج السر دون علم والدي بشروط النكاح الصحيحة المعروفة لتجنب الوقوع في المعاصي كالعادة السرية والزنا والعياذ بالله.
3ـ تدخل والدي في كل شؤوني الصغيرة قبل الكبيرة لدرجة أنه يقول لي لماذا لا تسمع الأغاني وما شابه ذلك من التدخلات التي تغضبني، فهل تحت الظروف التي أمر بها حاليا أستطيع أن أتخذ قرارت دون إطلاع والدي عليها كالزواج في السر ـ عن والدي فقط ـ وعمل مشروع للرزق دون علمهما؟.. وهل أكون عاقا لهما؟ أليس لنفسي حق علي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد نظّم الإسلام علاقة الآباء والأبناء، وجعل لكل منهما حقوقا على الآخر وواجبات، والأصل قيام العلاقة بينهما على البر والمناصحة والمصارحة ومراعاة الآخر، فإذا احتاج الابن إلى النكاح وخشي على نفسه الوقوع في الحرام صار النكاح في حقه واجبا شرعا، وكذلك التكسب لتأمين النفقة إن كان معسرا، لتوقف النكاح عليه، فلا يجوز للأب أن يقف حجر عثرة في طريق إعفاف ابنه بالنكاح والتكسب لذلك، بل ذهب فقهاء الحنابلة إلى أبعد من ذلك فأوجبوا على الأب الموسر تزويج ابنه المعسر على نفقته، خلافا للجمهور، وللمزيد في هذه المسألة تنظر الفتوى رقم: 23574 .

وإذا خشي الابن أن يواجَه بالمنع إذا صارح أباه بذلك، فلا حرج عليه في الزواج والعمل دون علم أبيه، لأن موافقة الوالد ليست شرطا لجواز نكاح الابن أو تكسبه، ولا يعتبر ذلك عقوقا، لأن طاعة الوالد ليست مطلقة، بل مقيدة بالمعروف، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.

وليس من المعروف منعه من الواجبات، وللمزيد تنظر الفتوى رقم: 63267.

ولكن يجب على الابن الموازنة في أداء الحقوق بين حقه على نفسه في النكاح والتكسب وحق والديه عليه في الطاعة والبر والإحسان إليهما، فعليه أن يسعى للتوفيق بين الحقين ما أمكن دون إفراط ولا تفريط.

وأما ما يتعلق بالمنكرات التي تصدر من الأخوات في البيت: فلا شك في وجوب إنكارها عليهنّ ومنعهنّ من مشاهدة المسلسلات المحرمة واستماع الأغاني الماجنة والتواصل الاجتماعي المحرم مع الشباب، لحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره.... رواه مسلم.

ولا يجوز للابن ترك واجب الإنكار عليهن لنهي الأب عن ذلك، لما تقدم من أن طاعة الوالد مقيدة بالمعروف، لكن على الأخ أن يراعي في الإنكار على أخواته الضوابط الشرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سلوك سبيل الحكمة والتدرج بالموعظة الحسنة وألا يؤدي ذلك الإنكار إلى مفسدة أعظم، وينظر في ذلك الفتويان رقم: 180123، ورقم: 197429.

وأما ما يتعلق بتدخل الوالد في شئون ابنه، فلعله من حرصه وشفقته عليه، فلا ينبغي للابن أن يضيق صدره لذلك، وأما دعوة الأب ابنه لسماع الغناء المحرم فلا تجوز طاعته في ذلك، والواجب على الابن مناصحة أبيه بالحكمة والاحتساب عليه بالرفق واللين ضمن الضوابط الشرعية التي بينها أهل العلم في الاحتساب على الوالدين والتي أوضحناها في الفتويين رقم : 224710، ورقم: 245989.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني