الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب رد المال المأخوذ من جهة العمل بغير حق

السؤال

أقيم في إحدى الدول الغربية، وفي إحدى السنوات كنت أعمل لدى شركة تعمل مستشارا للإنشاءات لإحدى الجهات الحكومية، وكان يتم إعطائي أموالا نظير الأميال المقطوعة من وإلى العمل - بالإضافة إلى راتبي -، ولم أكن أتوخى الدقة في الحساب، بل كنت أزيد فيه أحيانا، مما أدخل علي أموالا لا تحل لي.
ومنّ الله علي بالتوبة ولله الحمد، وحاولت إرجاع المبلغ، وجربت الحيلة ولكني لم أتمكن، والجهة لا تأخذ تبرعات، حيث إنها تأخذ أموالها من خزينة الدولة فقط، فهل يجزئني أن أتبرع بالمبلغ نيابة عنها أم ماذا أصنع؟ مع العلم أن التوجه مباشرهً لهم سيدخلني في عواقب قانونية نتائجها وخيمة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الواجب عن التوبة من أخذ المال بغير رضا هو رده إلى أصحابه أو طلب العفو والمسامحة منهم، وأما الصدقة به فمحلها هو عند تعذر الرد، جاء في المجموع للنووي: قال الغزالي : إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. اهـ.

وقال ابن القيم: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا، ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه، ولا استوفى عوضه رده عليه، فإن تعذر رده عليه، قضى به دينا يعلمه عليه، فإن تعذر ذلك، رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك، تصدق به عنه، فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة ، كان له. وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض، استوفى منه نظير ماله، وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها، كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم. انتهى من زاد المعاد.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: المال الحرام كالمأخوذ غصبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك كله خبيث لا يطهر، والواجب في المال الحرام رده إلى أصحابه إن أمكن معرفتهم، وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه على سبيل التخلص منه، لا على سبيل التصدق به، وهذا متفق عليه بين أصحاب المذاهب. انتهى باختصار.

فالواجب عليك أن ترد المال إلى الشركة بأية طريقة ممكنة، ولتحاول من الطرق ما لا يترتب عليه ضرر بك، كأن تنزل المبلغ في حسابهم دون إشعارهم بذلك، أو تخبرهم بأن خطأ حصل وأتتك أموال لا تستحقها، أو تسدد عنهم بعض الأمور المترتبة عليهم أو غير ذلك، المهم أن ترد ما لا يحل لك بأي طريقة واستعن بالله ولا تعجز، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يجب على من عنده مظالم للناس إذا تاب إلى الله أن يرد المظالم إلى أهلها، فلو سرق إنسان من شخص سرقة، وتاب إلى الله، فلا بد أن يرد السرقة إلى صاحبها، وإلا لم تصح توبته، ولعل قائلًا يقول: مشكلة إن رددتها إلى صاحبها أفتضح، وربما يقول صاحبها إن السرقة أكثر من ذلك، فيقال يستطيع أن يتحيل على هذا بأن يكتب مثلًا كتابًا، ولا يذكر اسمه ويرسله إلى صاحب السرقة مع السرقة، أي مع المسروق، أو قيمته إن تعذر، ويقول في الكتاب: هذه لك من شخص اعتدى فيها، وتاب إلى الله، ومن يتقي الله يجعل له مخرجًا. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني