الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله

السؤال

عندما كنت أصلي في المسجد كنت أسمع الشيخ يقول: اعبد الله كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فهو يراك ـ وعندها كنت أتصور أنني أرى الله في مخيلتي ولا أدري أكنت أشبه الله بشيء أم لا؟ فهل هذا كله يعتبر من الكفر؟ مع أنني كنت جاهلا ولا أدري أن هذا لا يجوز، وفي ذلك الوقت كان رمضان قد اقترب ولما علمت أن هذا حرام وقد يؤدي إلى الكفر نطقت بالشهادتين، لكنني لم أغتسل، فهل علي أن أقضي رمضان؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكره الشيخ الذي سمعت كلامه يتعلق بمقام الإحسان، وهو مأخوذ نصا من قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان، فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. متفق عليه.

والمقصود بذلك مراقبة الله عز وجل وتمام خشيته وقصده بالعبادة والإنابة إليه، جاء في شرح الأربعين النووية للعثيمين: عبادة الإنسان ربه سبحانه كأنه يراه: عبادة طلب وشوق، وعبادة الطلب والشوق يجد الإنسان من نفسه حاثاً عليها، لأنه يطلب هذا الذي يحبه، فهو يعبده كأنه يراه، فيقصده وينيب إليه ويتقرّب إليه سبحانه وتعالى: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ـ أي: اعبده على وجه الخوف ولا تخالفه، لأنك إن خالفته فإنه يراك، فتعبده عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، وهذه الدرجة عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الأولى. اهـ.

وعليه، فإن كان تخيلك من هذا القبيل، بمعنى أنك تفعل العبادة متخيلا أنك واقف بين يدي الله عز وجل، فهذا هو المطلوب وأما إن كان الأمر يتعلق بتخيل شكل لذات الله سبحانه وتعالى، فذلك لا يجوز، لأن كل شكل يتخيله العقل أو يخطر بالبال فإن الله سبحانه وتعالى بخلافه، قال الله عز وجل عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى:11}.

وعقل الإنسان المحدود لا يمكن عقلا ولا يجوز شرعا أن يدرك ذات الله عز وجل أو يتصورها، جاء في شرح لمعة الاعتقاد للشيخ يوسف الغفيص: قال الموفق رحمه الله: وكل ما تُخُيِّل في الذهن، أو خطر بالبال، فإن الله تعالى بخلافه ـ وهذا صحيح، لأنه سبحانه وتعالى لا يحاط به علماً، وعليه يقال في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ـ سواء كان هذا الشيء موجوداً أو متصوراً أو مفروضاً في الذهن، ومهما عارض أو تخيل المرء في ذهنه من الفروضات لكل صفة من صفاته، فإن الله ينزه عن هذه الكيفية، لأن العقل يمتنع أن يتصور أو يتخيل إلا كنهاً وكيفاً ناقصاً، وعليه سمات المحدثات. اهـ.

لذلك على المسلم أن يترك التفكر في ذات الله ويتفكر في آياته الكونية العظيمة، ونعمه الكثيرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله. رواه الطبراني، وحسنه الألباني.

وعلى كل، فما قمت به ليس كفرا، ولا أثر له على صيام رمضان، ولا إثم فيه مادام مجرد حديث نفس لم تتكلم به ولم تعلنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري.

لكن ينبغي العلم أن على الإنسان الإعراض عن تلك التخيلات والوساوس التي يلقيها الشيطان في ذهنه عن ذات الله العلية ثم ليعالجها بقوله آمنت بالله وبرسله، فقد جاء في الحديث الذى رواه أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يأتي أحدكم، فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله عز وجل، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك، فليقل: آمنت بالله وبرسله.

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 53031، 231082، 39560.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني