الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلب المرأة الدعاء من بعض الأئمة وذهابها مع امرأة أخرى لرجل يرقيها

السؤال

سؤالي تتمة للسؤال رقم:258499.
لقد عرفت أن ما بي هو سحر، وبعد سماعي رقية لإبطال السحر زاد الألم كثيرا، وقد بحثت عن رقية للمس العاشق وإبطال السحر، لكن حصل أمر غريب، فبعد سماعي رقيتين نزل مني شيء بني كأن الدورة تريد أن تنزل، وفي اليوم الثاني أيضا، لكن في اليوم الثالث خرج الدم بشكل كثير، لكن الدورة بقي لها 8 أيام، وأنا أسمع الرقية والدم ينزل، خصوصا عند الدعاء على إبطال السحر وحرقه، والدعاء على الجن العاشق، وخادم السحر، وفي الرقية الكثير من كلام السحر والأرحام.
ومع الرقية أصبحت أحس أن شيئا في البطن يتحرك و يتفتت، ويزداد الألم، وكل هذا متمركز في الجهة اليسرى من البطن "تحدث أشياء غريبة داخل البطن"، وما زال الدم مستمرا منذ يومين، لكن ليس بكمية الدورة، ولم أفطر لأني لا أعرف إن كان حيضا أم بسبب السحر؟ فهو يخرج قليلا قليلا ويزداد كل مرة، وقد أصبح مثل الدورة في الليل وسأفطر، فهل علي شيء؟
وسأترك الرقية القوية بعد رمضان لعل الدم يتوقف، فما هو سحر الأرحام؟ وما معنى جن عاشق سكن الأرحام؟ وكيف أعرف أي نوع من السحر هذا؟ رغم أن الشائع هو تعطيل الزواج، وبما أن السحر في البطن هذا يعني أنه مأكول أو مشروب أم أنا مخطئة؟
ولا تظن أني سيئة، لكني سأستخدم دعوة المظلوم في رمضان، والله إنهم ظلموني، ومتأكدة أني أحسنت إليهم لأنني طيبة جدا، فهل يجوز الدعاء بالموت أم أوكلهم لله لينتقم لي كيف يريد؟ لأني استخدمت مرة هذه الدعوة، واستجاب الله فشعرت بالندم، و أحسنت إليهم، لهذا أريد الدعاء بالموت لأني أخاف أن أرى من سحرني وأحسن إليه أو أشفق عليه، لأني لا أعرف من سحرني.
أما إن كان الجن العاشق أتى مع السحر فلن أسامح الشخص أبدا، لأن معاناتي قاسية معه، وأنا لا آكل إلا مع من نعرف، في التسع السنوات الأخيرة تأتيني الدورة مع آلام، وكل عام يزداد، حتى أصبحت أشرب الحبوب والدم يخرج ساخنا، وكل مرة أنحف أكثر، وهناك أعراض كثيرة، فهل ممكن للسحر أن يبعد الإنسان عن الاستقامة؟ وهل شرب حبوب مسكنة للآلام يؤثر على الرقية؟ وسأراسل بعض الأئمة ليدعوا معي فهل أقول لهم اسمي أم لا؟ لأن والدي هداهم الله لا يدعون لي أبدا، ولا أستطيع في الوقت الراهن زيارة الراقي لأنه لا يوجد محرم يذهب معي، أم أنه يجوز الذهاب برفقة امرأة؟
ادعو لي بالشفاء.. أثابكم الله على جهودكم، وجعله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نسأل الله لنا ولك العافية والسلامة، وليس عندنا ما يجزم به في شأن تأثير الحبوب المسكنة للألم على الرقية، ولا في شأن الدم الذي يخرج منك، هل هو من أثر الرقية أم أن له سببا آخر، ولكنك إذا رأيت هذا الدم في زمن يصلح أن يكون فيه حيضًا، بأن مرّ على انقطاع الحيضة السابقة عليه خمسة عشر يوما عند الجمهور، وثلاثة عشر يومًا عند الحنابلة، فهو دم حيض؛ ولتفصيل القول حول ضابط زمن الحيض انظري الفتوى رقم: 118286.

ثم إنا ننصحك بمواصلة الرقية الشرعية، وأن لا تقطعيها حتى يحصل البرء الكامل بإذن الله تعالى، وننصحك برقية نفسك وبطلب الدعاء من والديك، فإن دعاء الوالدين مستجاب كما في حديث الترمذي، ودعوة الإنسان المضطر حرية بالإجابة لقوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.

ولا حرج عليك في طلب الدعاء من بعض الأئمة وأن تذكري لهم اسمك، وإن شئت أن تكتميه وتقولي لهم: هنا أخت لكم في الله عندها ابتلاءات وترجو منكم الدعاء، فلا حرج في ذلك، ويشرع لك الذهاب للراقي مع امرأة أخرى؛ لأن وجود امرأتين مع الأجنبي ليس بخلوة إذا كانتا ثقتين محتشمتين، جاء في روضة الطالبين: ويجوز أن يخلو الرجل بامرأتين ثقتين، لأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل، وراجعي الفتوى رقم: 9786.

وأما ما سمعت في الرقية عن سحر الأرحام والعاشق وسكن الأرحام، فلعل قائله يعني به السحر الصادر من فعل الأقارب أو السحر الموجود في بطن المسحورة أو رحمها، ويعني بالجن العاشق الجني الذي يعشق المرأة، وأما عن معرفة نوع السحر فليس عندنا ما يجزم به، فيمكنك استشارة بعض الرقاة في شأنه، وأما السحر في البطن فقد يكون المسحور أكل أو شرب شيئا وضع فيه سحر.

ولا حرج في دعاء المظلوم على الظالم ولو بالموت، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بنجاة المظلومين، ودعا على ظالمهم، كما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.

قال بدر الدين العيني في شرح البخاري: وفيه الدعاء على الظالم بالهلاك، والدعاء للمؤمنين بالنجاة. اهـ، وروى مسلم في صحيحه عن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين"، فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. اهـ.

وقال الناظم: وجاز أن تدعو على من ظلما ولو لغيرك بموت أو عمى.

والأفضل هو العفو عن الظالم فقد قال الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}، وإن لم تسامحيه فلا حرج عليك، ولا يجوز للمسلم الدعاء بالموت على نفسه إن لم يخف فتنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنينّ أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.

هذا، وننبه إلى أنه لا يجوز لك اتهام شخص معين بأنه سحرك؛ لان الاتهام بالسحر دون بينة من الكبائر، ولا يجوز كذلك الدعاء على شخص معين إن لم تتحققي أنه ظلمك وسعى في إلحاق الضرر بك، وننصحك بمراجعة قسم الاستشارات الطبية بموقعنا في شأن الآلام والأعراض والنحافة التي تعانين منها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني