الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر الأكل والشرب بعد طلوع الفجرعلى الصوم

السؤال

ما رأيكم في قول الشيخ الألباني رحمه الله في تمام المنة بجواز ابتلاع الطعام لمن أذن عليه الفجر وهو في فمه، وهذا نص كلامه: ومن مباحات الصيام قوله تحت هذا العنوان: "... فإذا طلع الفجر وفي فمه طعام وجب عليه أن يلفظه..."، قلت: هذا تقليد لبعض الكتب الفقهية، وهو مما لا دليل عليه في السنة المحمدية، بل هو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه" أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه هو والذهبي، وأخرجه ابن حزم وزاد: "قال عمار - يعني: ابن أبي عمار راويه عن أبي هريرة -: وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر "، قال حماد - يعني: ابن سلمة - عن هشام بن عروة: كان أبي يفتي بهذا، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وله شواهد ذكرتها في "التعليقات الجياد" ثم في "الصحيحة"1394، وفيه دليل على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه، فهذه الصورة مستثناة من الآية: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (البقرة: 187)، فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث، وبين هذا الحديث، ولا إجماع يعارضه. بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث، وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر، وينتشر البياض في الطرق، راجع: الفتح 4 / 109 - 110، لأن من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قل الفجر بنحو ربع ساعة، لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحرون، ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة، فتأمل" اهـ كلامه رحمه الله تعالى.
فهل معنى ذلك أنه يوجد خلاف في المسألة ويجوز العمل برأي الشيخ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا القول مرجوح، مع أنه رأي لبعض أهل العلم، وقد نصره ودافع عنه الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه تمام المنة، كما ذكرتم في السؤال، وذلك أخذا بظاهر الحديث الذي رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه، لكننا قد بينا في الفتوى رقم: 157215 أن الحديث السابق محمول على النداء الأول للصبح، والذي يكون قبل دخول وقت الفجر، أو محمول على حالة الشك في طلوع الفجر، وبالتالي فلا حجة فيه لإباحة الأكل أو الشرب بعد طلوع الفجر أو أثناء أذان المؤذن الذي لا يؤذن إلا بعد طلوع الفجر، فالنصوص واضحة في عدم جواز الأكل أوالشرب بعد تبين الفجر كقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ {البقرة:187}، وانظري أيضا الفتوى رقم: 76430 ، ورقم: 104878 ، ورقم: 262423 .

والحاصل أن المسألة - كما رأيت - فيها خلاف، ورأي الجمهور - وهو المفتى به عندنا - أن من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر عمدا فسد صومه، إلا أن القول الآخر - الذي استثنى تلك المسألة محل السؤال - له حظ من النظر، فمن أخذ به تقليدا لمن قالوا به وليس تتبعا للرخص فلا حرج عليه، كما يجوز الأخذ به أيضا عند الضرورة، وانظري فتوانا رقم: 203266 حول جواز الأخذ بالقول الأسهل لمن ليس ذلك ديدنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني