الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يتوب من كان يفعل المعاصي لإرضاء من يحبه

السؤال

كنت أحب صديقي كثيرا لدرجة أنني كنت أفعل المعاصي لإرضائه، ثم علمت فيما بعد أن هذا أعظم من الشرك نفسه، وقطعت علاقتي معه لأنها اّثمة جدا، والآن أريد أن أتطهر من هذا الشرك الذي وقعت فيه، لأن الله لا يغفر الشرك، وأنا حزين وخائف ومكتئب جدا، ولا أعرف كيف أتوب من هذا الشرك، وبعد أن قطعت علاقتي الآثمة معه شعرت بضيق دائم، لأنني تعودت عليه وأكثر البكاء والنحيب على فراقه، وأحيانا أشعر أنه لا داعي لوجودي في هذه الحياة، وأريد الموت لكي يريحني من تذكره والبكاء عليه، فما الحل لما يحصل معي من اضطراب؟ وكنت إذا رأيت فلانا يتقرب من صديقي فإنني أحاول أن أبعده عنه، بأن أقوله إن فلانا قال عنك كذا وكذا وفعل كذا وكذا، وصديقي متسامح وينسى كثيرا لذلك لا أعتقد أن كلامي كان يؤثر فيه. وفي صحوة ضمير أخبرت صديقي بأن عليه أن لا يضع أحدا من أصدقائنا ممن افتريت عليهم، ولا أعلم كيف أصلح ما فعلت ولا كيف أتوب، ولا كيف أرد المظالم، فهل سيأخذون كل حسناتي وأقذف في النار؟ وهل سيبعث الله لي أحدا يفرق بيني وبين أحبابي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله سبحانه أن يطهر قلبك ويعمره بحب الله جل جلاله، وأن يرزقك الاستقامة والثبات على صراطه المستقيم.
واعلم أن التوبة من الذنوب عموما تكون بالندم على ارتكابها، والإقلاع عنها، والعزم على عدم العودة إليها، وإن كانت الذنوب تتعلق بحقوق العباد فيضاف إلى ما سبق رد الحقوق إليهم أو استحلالهم منها على تفصيل سبق ذكره في الفتوى رقم: 99131، وما أحيل عليه فيها.

والشرك إنما لا يغفره الله إذا لم يتب منه صاحبه، أما إن تاب توبة نصوحا فالتوبة تجب ما قبلها ولو كان شركا بالله وانظر الفتوى رقم: 36141.

واعلم أنك إنما أتيت من عدم إعمار قلبك بما خلق له من معرفة الله جل وعلا وحبه والتعلق به، فحينئذ سكن فيه حب الهوى والتعلق بالخلق فلحقته الهموم والغموم، ولهذا قيل: العشق حركة قلب فارغ ـ وكما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا.

ويقول ابن القيم رحمه الله: والقلب خلق لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به، والابتهاج بحبه، والرضى عنه والتوكل عليه، والحب فيه، والبغض فيه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، ودوام ذكره، وأن يكون أحب إليه من كل ما سواه، وأرجى عنده من كل ما سواه، وأجل في قلبه من كل ما سواه، ولا نعيم له ولا سرور ولا لذة، بل ولا حياة إلا بذلك، وهذا له بمنزلة الغذاء والصحة والحياة، فإذا فقد غذاءه وصحته وحياته، فالهموم والغموم والأحزان مسارعة من كل صوب إليه، ورهن مقيم عليه.

ويقول أيضا: فذكره قوته وغذاؤه، ومحبته والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه داؤه، والرجوع إليه دواؤه، فإذا حصل له ربه سكن إليه، واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده، فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها، ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة.

فليكن همك التنافس في التقرب إلى خالقك جل وعلا والفوز بمحبته ورضوانه لا الانشغال بإرضاء المخلوق والتزلف إليه وقد سبق الكلام عن المحبة وأنواعها ومتى تكون شركا في الفتاوى التالية أرقامه: 131443، 27513، 18165، 7386.

كما قد ذكرنا بعض النصائح والتوجيهات النافعة في مثل حالتك في الفتويين رقم: 9360، ورقم: 114909.

وأما بخصوص الكذب والافتراء وإصلاح ذات البين فعليك بالإضافة إلى ما سبق من شروط التوبة أن تكذب نفسك عند صديقك هذا حتى ينصلح حاله مع المفترى عليهم، وبالنسبة لمن افتريت عليهم فيكفيك الدعاء لهم والإحسان إليهم وذكرهم بالخير، ولا يلزمك إعلامهم بما قلته في حقهم، منعا لإشعال نار الفتنة، جاء في بريقة محمودية: وتوبة البهتان بثلاث: عزمه على تركه، واستحلاله إن أمكن، بكونه حيا حاضرا ولا يؤدي إلى فتنة وإلا فالدعاء والاستغفار له والتضرع إلى الله تعالى رجاء أن يغفر الله تعالى، وتكذيب نفسه عند السامعين، لبهتانه. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 18180.

وإذا صدقت في توبتك وبذلت وسعك في الإصلاح والإحسان فنرجو من الله تعالى ألا يؤاخذك بما فعلت، سواء في الدنيا أو في الآخرة، فإن التوبة مانعة من لحوق الوعيد، فضلا عن أن وقوع الجزاء ليس متحتما، فقد يعفو الله عن العبد كرما منه وفضلا، وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 188785، وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني