الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يترتب على إعطاء الغير ألعابا تشتمل على أمور كفرية

السؤال

‏ أعطيت لعبة فيها أشياء كفرية ‏لصديق، لنفرض مثلا أنه كفر بها. ‏فهل أكفر أيضا؟
‏ وهل تقبل توبتي إذا لم أحذف اللعبة ‏من جهازه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بينا من قبل في فتاوى عديدة، حرمة اللعب بالألعاب المشتملة على أمور كفرية؛ وانظر الفتويين: 235648 - 234505

وحيث كانت تلك الألعاب مشتملة على أمور محرمة سواء كانت كفرية، أو لا، فلا يجوز أيضا إعطاؤها لشخص آخر، فالحرام لذاته لا يعطى، كما أشرنا في الفتوى رقم: 97268

وأنت بإعطائك تلك الألعاب لصديقك، قد أذنبت ذنبا عظيما، خاصة إن كانت قد تسببت في انحرافه، أو كفره- والعياذ بالله-، فهذا من الدلالة على الضلالة، والإعانة على المعصية التي نهى الله عنها بقوله: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من دل على معصية، كان عليه مثل إثم فاعلها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء. وفي الحديث المتفق عليه: لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل.

فعليك بالمبادرة إلى الاستغفار، والتوبة إلى الله تعالى وفق الشروط التي بيناها في الفتوى رقم: 78925

وإذا تبت إلى الله تعالى توبة حقيقية، صادقة، فإن الله يتوب عليك؛ لأنه سبحانه تواب رحيم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

واعلم أن إعطاءك تلك اللعبة لصديقك- رغم ما فيه من الإعانة على المعصية- ليس كفرا في حقك، ما لم تكن قد قصدت إعانته على الكفر، ورضيت بذلك، وحينئذ يكون ذلك من باب "الرضا بالكفر كفر" كما قال العلماء؛ وانظر في ذلك فتوانا رقم: 34046

وإن لم تكن قصدت الإعانة على الكفر، فإن ما قمت به لا شك أنه ذنب كبير؛ إذ فيه إثم الإعانة على المعصية، إضافة إلى أن كل ما يقترفه صديقك من ذنوب جراء مشاهدة اللعبة المحرمة التي أعطيته، يكون عليك مثله حتى تتوب إلى الله تعالى، فإن تبت، وندمت، تاب الله عليك، ولم يكن عليك إثم من جراء الذنوب التي كنت سببا فيها حتى لو مورست تلك الذنوب بعد توبتك من التسبب فيها.

قال في المراقي:

من تاب بعد أن تعاطى السببا * فقد أتى بما عليه وجبا

وإن بقي فساده، كمن رجـــع * عن بث بدعة عليها يتبع

وجاء في في مرقاة المفاتيح: قال ابن حجر: تنبيه: لو تاب الداعي للإثم، وبقي العمل به. فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، أو لا لأن شرطها رد الظلامة، والإقلاع. وما دام العمل بدلالته موجودا، فالفعل منسوب إليه، فكأنه لم يرد ولم يقلع؟

كل محتمل، ولم أر في ذلك نقلا، والمنقدح الآن الثاني. اهـ.

والأظهر الأول، وإلا فيلزم أن نقول بعدم صحة توبته، وهذا لم يقل به أحد، ثم رد المظالم مقيد بالممكن، وإقلاع كل شيء بحسبه حتما، وأيضا استمرار ثواب الاتباع مبني على استدامة رضا المتبوع به، فإذا تاب وندم، انقطع، كما أن الداعي إلى الهدى إن وقع في الردى - نعوذ بالله منه - انقطع ثواب المتابعة له، وأيضا كان كثير من الكفار دعاة إلى الضلالة، وقبل منهم الإسلام، لما أن الإسلام يجب ما قبله، فالتوبة كذلك بل أقوى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. اهـ.

وانظر -لمزيد الفائدة- الفتاوى التالية أرقامها: 225634 -175353 - 151889

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني