الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقسام أهل الفترة وموقفهم من سؤال القبر والحساب

السؤال

بخصوص أهل الفترة من الكفار والوثنيين هل يعذبون في قبورهم؟ وما حكم من كان من أهل الفترة وسمع بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبالدين الإسلامي عن طريق التلفاز مثلا، ولم يعرف ما هو الإسلام وماذا يدعو إليه؟ ولم يعرف أركان الإسلام وشروطه وواجباته، ولم يعرف ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إليه، ومات على ذلك دون أن يعتنق الإسلام؟ وهل يعتبر من أهل الكتاب أم كفار؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 199757، المراد بأهل الفترة ومدتها وحكمهم، وأن هذا اللفظ يشمل كل من لم تبلغه الدعوة، أو بلغته على حال لا تقوم عليه الحجة بها كالمجنون ونحوه، وأن الراجح فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة.

وأما هل يعذبون في قبورهم: فقد ذكر أهل العلم إلى أن أهل الفترة يسألون في قبورهم، ويكون جوابهم على حسب ما علم الله من مآلهم يوم القيامة، كما بيناه في الفتوى رقم: 134107، بعنوان: هل يقع السؤال في القبر والفتنة على من لم يسمع بالنبي؟.

ومن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالإسلام عن طريق التلفاز ومات ولم يكن على علم بحقيقة الإسلام، فإننا نحكم عليه في الدنيا بالكفر، ونجري عليه أحكام الكفار من عدم جواز الصلاة عليه، وعدم دفنه في مقابر المسلمين، وعدم إرثه من قريبه المسلم، وغير ذلك من الأحكام، وأما في الآخرة: فقد بينا حاله في الفتوى المشار إليها آنفا، وقولك في سؤالك: هل يعتبر من أهل الكتاب أم كافر ـ ربما يفهم منه أنك لا تعتبر أهل الكتاب كفارا، ولا شك أن أهل الكتاب كفار، وقد بينا أدلة هذا في الفتوى رقم: 2924.

ومن أحسن ما وقفنا عليه من كلام أهل العلم في بيان حال أهل الفترة وهل يعذبون أولا ما قاله السيوطي في الحاوي فقد قال رحمه الله تعالى: ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين، فإن قلتَ: صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كصاحب المحجن وغيره، قلتُ: أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة:

الأول: أنها أخبار آحاد، فلا تعارض القاطع.

الثاني: قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم بالسبب.

الثالث: قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير الشرائع وشرع من الضلال ما لا يعذر به.

فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام:
الأول: من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء:

1ـ من لم يدخل في شريعته كقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل.

2ـ ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبّع وقومه.

القسم الثاني: من بدل وغير وأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرم وهو الأكثر كعمرو بن لحي أول من سن للعرب عبادة الأصنام، وشرع الأحكام، فبحر البحيرة، وسيب السائبة ووصل الوصيلة، وحمى الحامي وزادت طائفة من العرب على ما شرعه أن عبدوا الجن، والملائكة، وحرقوا البنين، والبنات، واتخذوا بيوتاً جعلوا لها سدنة وحجاباً يضاهون بها الكعبة كاللات والعزى ومناة.

القسم الثالث: من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع ديناً، بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله، وفي الجاهلية من كان كذلك.

فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة الأقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثاني لكفرهم بما لا يعذرون به.

وأما القسم الثالث: فهم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين للقطع، كما تقدم.

وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وسلّم في كل من قس، وزيد: أنه يبعث أمة وحده، وأما تبّع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين، انتهى ما أورده الأبي. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني