الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

للعبد قدرة وإرادة تابعة لقدرة الله وإرادته

السؤال

عندي سؤال عن إرادة الإنسان: أعرف أن إرادة الإنسان تابعة لإرادة الله، وسؤالي هو: إذا أراد شخص أن يقوم بعمل ما، وحدث شيء منعه من القيام بالعمل الذي أراده، فهل يعتبر عدم قيامه بهذا العمل بإرادته أم لا؟ أم يعتمد ذلك على وجود خيار ثان مثل: ما إذا أردت أن أذهب إلى السوق، وجاء لزيارتي شخص ما فلم أذهب، فهل يعتبر عدم ذهابي بإرادتي أم لا؟ أم أن هناك خيارا آخر كأن أستأذن من الشخص وأذهب؟ وهذا مثال لتوضيح سؤالي، ومثل ما إذا أردت الذهاب إلى دائرة، وأصبح ذلك اليوم عطلة رسمية، وفي هذه الحالة عدم ذهابي يعتبر بغير إرادتي، فهل تفسيري للموضوع يعتبر شرعيا أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

من المعلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة أن للعباد قدرة وإرادة خاصة بهم، لكنها في الوقت نفسه تابعة لإرادة الله تعالى وقدرته، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وحيث إن السائلة الكريمة ليس لديها إشكال في هذا الأمر، فلن نطيل في توضيحه، أما عن ما أثارته السائلة، فنقول: إن الإنسان الذي يقرر فعل أمر ما ثم يأتي عارض يمنعه من ذلك الفعل، فمن البديهي أن تركه للفعل ليس بإرادته، لأن إرادته كانت الفعل وليس الترك، ولذلك من المقرر عند عامة العلماء أن من عزم على فعل معصية، وبذل الأسباب الممكنة في سبيلها، ثم حال دون ارتكابه لها أمر عارض، فهو مؤاخذ بعزمه ذلك، بخلاف من هم أو عزم ثم ترك بإرادته، فإنه مأجور، لأن الترك كان بإرادته خوفا من الله تعالى، جاء فتح الباري لابن حجر: وقال الخطابي: محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يسمى تاركا إلا مع القدرة، ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلا فيجد الباب مغلقا ويتعسر فتحه، ومثله من تمكن من الزنا مثلا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلا، ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري ما قد يعارض ظاهر حديث الباب، وهو ما أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه بلفظ: إنما الدنيا لأربعة... فذكر الحديث، وفيه: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يعمل في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يرى لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهما في الوزر سواء ـ فقيل الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين، فتحمل الحالة الأولى على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم، والحالة الثانية على من صمم على ذلك وأصر عليه وهو موافق لما ذهب إليه الباقلاني وغيره، قال المازري: ذهب بن الباقلاني ـ يعني ومن تبعه ـ إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر، قال المازري وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص الشافعي، ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ: فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به، وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني، لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها، كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها، فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية، ومما يدل على ذلك حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ـ قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه. اهـ.

وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 95359، 163035، 32048.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني