الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يحرم صنع الأجهزة بسبب احتمال استعمالها في الحرام

السؤال

مشايخنا الأفاضل،‎ ‎في البدء أشكركم على إتاحة ‏الفرصة لنا للسؤال، والحصول على الجواب من ‏خلال موقعكم. فجزاكم الله خيرا.‏
‏ أنا طالب في طريقي للالتحاق بالجامعة، وأود ‏الالتحاق بكلية الهندسة، ولكن عندي إشكالية أود ‏طرحها على فضيلتكم بعد إذنكم.‏
من المعلوم أن بيئة عمل مهندس الإلكترونيات ‏تكون بين الأجهزة، والحواسيب، وما إلى ذلك، ‏ولكن الإشكالية في أنه-و للأسف- كثير من ‏الناس يستخدمون هذه التقنيات في أغراض تنافي ‏شريعتنا، فمثلا قد يعمل المهندس في شركات ‏صناعة حواسيب، ولا يخفى عليكم الاستخدام ‏السيئ لها الذي انتشر؛ وقد يعمل في صناعة ‏معالجات للحواسيب، أو أجزاء أخرى إلكترونية ‏قد تستخدم في الحواسيب، وإن لم يكن الغرض ‏من صناعتها ذلك؛ وقد يطور خدمات جديدة ‏للإنترنت، أو قد يطور خدمات جديدة للأقمار ‏الاصطناعية، قد تستخدم في أقمار القنوات ‏الفضائية، وإن لم يكن الغرض من صناعتها ‏ذلك؛ وقد يقوم بتطوير تقنيات قد يستخدمها ‏الكفار، وخاصة الغرب منهم ضد المسلمين، وإن ‏لم يكن الغرض من صناعتها ذلك أيضا؛ وقد ‏يعمل في شركات الهواتف المحمولة، أو توصيل ‏الإنترنت، أو قد يعمل في شركات توصيل ‏كهرباء، ومن المعلوم أن الكهرباء سيستخدمها ‏الكثير في تشغيل الدش، والتلفزيون؛ وقد يعمل ‏في شركات برمجيات، تقوم بإنشاء برامج قد تعين ‏على تشغيل الصوتيات، وعرض الصور، وإن لم ‏يكن الغرض الأساسي من تصميمها ذلك، إلى ‏آخر ذلك من الأمور.‏
‏ وقد يعمل معلما في الجامعات، والمعاهد، فيدرس ‏للطلاب، وهؤلاء الطلاب قد يعملون في مجالات ‏مختلفة منها صناعة التلفزيونات مثلا، وقد ‏يدرس لطلاب أجانب كفار، وقد يشرف على ‏مشاريع تخدم إحدى المجالات السابقة، أو تخدم ‏مجالات مثل التلفزيون، والدش، أو قد يعمل في ‏مراكز وجامعات، ومعاهد أجنبية في بلاد الكفر.‏
فما حكم الالتحاق بكلية الهندسة في ظل هذه ‏الظروف؟
رغبتي تتمثل في أنني لا أريد أن أعين على ‏منكر، أو أن يكون مصدر دخلي فيه من الحرام ‏الشيء الكثير، مع العلم بأني قد اطلعت على ‏بعض فتاواكم التي تخص صيانة أجهزة ‏الحاسب، مع العلم أيضا أنني على يقين جازم ‏بأن أي شيء سيقوم المهندس بصناعته، ستكون ‏هناك جماعة من الناس تستخدمه استخداما منافيا ‏لشريعتنا، مع العلم أنه مهما تحرى المهندس، ‏فإنه من الصعب ألا يصطدم بمجالات شبيهة ‏بالسابق ذكرها، وإن لم يكن غرضه العمل في ‏تلك المجالات.‏
أود منكم، بل وأرجو منكم أن تفصلوا لي ‏الجواب، وخاصة في موضوع التدريس في ‏المعاهد، والجامعات حتى لا يعرض لي أمر في ‏مستقبلي يتسبب لي في ضيق، وحرج، ووسوسة ‏لا قدر الله.‏
أشكركم شكرا جزيلا على اطلاعكم على سؤالي، ‏راجيا ألا أكون قد أطلت عليكم.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله عز وجل أن يزيدك هدى، وحرصا على التجافي عن المحرمات، واعلم أن ما ذكرته من احتمال استعمال هذه الأجهزة في المحرم، لا يوجب تحريم صناعتها، وصيانتها، وتعلم ذلك وتعليمه.
فمثل هذه الاحتمالات من الذرائع البعيدة التي لم يأت الشرع بسدها، ولو قيل بسدها لأدى ذلك إلى تحريم مباحات كثيرة جدا، لاحتمال إفضائها إلى المحرم.

قال القرافي: وليس سد الذرائع من خواص مذهب مالك، كما يتوهمه كثير من المالكية، بل الذرائع ثلاثة أقسام:

قسم أجمعت الأمة على سده، ومنعه، وحسمه كحفر الآبار في طرق المسلمين؛ فإنه وسيلة إلى إهلاكهم، وكذلك إلقاء السم في أطعمتهم، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها.

وقسم أجمعت الأمة على عدم منعه، وأنه ذريعة لا تسد، ووسيلة لا تحسم كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر؛ فإنه لم يقل به أحد، وكالمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا.

وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا؟ اهـ من الفروق.
ومن القواعد المقررة في الشرع أن الأصل في جميع الأشياء هو الإباحة، حتى يتبين موجب التحريم.

قال ابن تيمية: لست أعلم خلاف أحد من العلماء السالفين، في أن ما لم يجئ دليل بتحريمه، فهو مطلق، غير محجور. وقد نص على ذلك كثير ممن تكلم في أصول الفقه وفروعه، وأحسب بعضهم ذكر في ذلك الإجماع يقينا، أو ظنا كاليقين. اهـ.

ومن فقه هذا الأصل، دفع عن قلبه كثيرا من الوساوس والاحتمالات.
فالحاصل أنه لا حرج عليك في الالتحاق بكلية الهندسة.
وراجع لمعرفة ضابط الإعانة المحرمة الفتوى رقم: 238762 ، والفتوى رقم: 65324 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني