الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يصلح كل أحد لمناقشة الملحدين

السؤال

لا أعرف كيف أبدأ السؤال، فهناك شك عظيم يملأ ‏قلبي، ولا أعرف كيف أنهيه، أو أجد ‏الإجابة منذ فترة.
وقد بدأت متابعة ‏بعض الحوارات عن الإلحاد ‏وأنواعه، وأفكار المؤمنين فيه، ‏ولكن بالنسبة لي لم يطمئن لها قلبي؛ ‏فإن التفسير الذي يقول كل ما نحن ‏فيه هو من وحي الصدفة، هزل. ‏ولكن المشكلة أني مؤمن بوجود قوة ‏عظيمة، أوجدت ما نحن فيه، ‏ووضعت نظاما لما هو موجود. ‏ولكن السؤال التالي: ما هي هذه ‏القوة؟ وماذا تريد منا؟ غير معلوم، ‏وأعتقد أن تفسير هذا تدَّعي جميع ‏الأديان أنها تعرفه، حيث يؤكد الرسل ‏أنهم مبعوثون من عند هذا الخالق، ‏أو القوة العظيمة التي دبرت ما نحن ‏فيه، فهنا يأتي السؤال: ما الدليل ‏على صدق كلامهم، أو صحته؟
ومن ‏هنا يأتي دور المعجزات، ونظرا لأن ‏كل المعجزات لجميع الأديان لحظية، ‏ورآها أهل زمانها، ومكانها، ‏فقد استبعدتها إلا القرآن-على حسب ‏ادعاء المدعين-فهو المعجزة الأبدية، ‏ومن هنا بدأت أبحث عن سبيل لتقييم ‏هذا الكتاب، وما فيه من إعجاز وهل ‏هو معجز أم لا؟
وكان أول معيار كانوا يتحدثون عنه ‏هو: المعيار البلاغي، وكيف أنه ‏أعجز العرب فيما هم فيه بارعون، ‏ولكن هذا المعيار سقط من أمامي؛ ‏نظرا لأننا نتحدث لغة أقرب إلى ‏العجمية، ولا أستطيع إدراكه، فما بالك ‏بالناس الذين لغتهم الأم ليست ‏العربية، وأنا لا أحب البلاغيات، ‏واللغويات، وأراها مضيعة للوقت من ‏أساسه، فرأيت أن هذا الباب مغلق، ‏فبدأت باب الإعجاز العلمي، وقرأت ‏عن بعض الآيات، وتوضيح مدى ‏الإعجاز فيها، ووجدت أنها مليئة ‏بالهزل، وليِّ أعناق الكلام لمطابقة ‏المعنى المطلوب.
وهناك قصة ‏استوقفتني، الآية: (والأرض ‏مددناها) تفسير هذه الآية في خواطر ‏الشعراوي، وقد أوضح الإعجاز فيها، ‏حيث كيف علم الرسول صلى الله ‏عليه وسلم أن الأرض ممتدة من كل ‏اتجاه، ولا يوجد فيها جرف في ‏النهاية، على الرغم من تفسير شيخ ‏سعودي شهير -ابن باز-لها بأن ‏الأرض ممتدة، ورفض أن الأرض ‏كروية. ومن هنا تجد التناقضات، ‏ومن الأساس القرآن كلماته غير ‏واضحة المقصد، وما يحدث هو ‏استخدام الكلمات حسب الفهم، ‏والإدراك.
وكانت هناك آية أخرى: ‏‏{فرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم ‏أنزلتموه من المزن أم نحن ‏المنزلون) ومن المعروف الآن وجود ‏الأمطار الصناعية، فرفضت هذا ‏المعيار نظرا لضعفه.‏
‏ وأمامي الآن المعيار الأخلاقي، ‏والتربوي، والاجتماعي الموجود في ‏القرآن، ولم أستبعده حتى الآن.
‏فأرجو من سيادتكم مساعدتي في ‏هذا، وتوجيهي لكتب، أو فيديوهات ‏تساعدني في طريقي، مع العلم أني ‏أبحث في هذا الموضوع، وغالبا ما ‏أجد ردودا هجومية تؤكد أني أعلم ‏الحق وأنكره، وصيغا هجومية تنفر ‏الإنسان.‏
‏ ورجاء عدم وضع معيار: هذا ما ‏وجدنا عليه آباءنا، أو معيار أن هذا هوا ‏المعتاد، وأن هذا هو المتفق عليه ‏إلى آخره. ‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن أراد البحث في مثل هذا الموضوع، لا يسعه أن يتهاون في جمع مقوماته، والصبر على تحصيل مؤهلاته! ومن يرى علوم اللغة مضيعة للوقت، فإنه بعيد عن هذا الوصف!! فإن فهم اللغة هو أصل العلوم كلها، مع اختلاف أنواعها، ولغاتها.
وإنما نشير إلى ذلك لننبه الأخ السائل، على أنه يحتاج إلى صبر ومصابرة، وجهد ومجاهدة، للخروج مما هو فيه من التردد، والحيرة، وتحصيل العلم النافع الذي تسكن إليه النفس، ويطمئن له القلب؛ فإن مسألة الديانة لا تتحمل التجريب والخطأ، ولا يصح فيها الاحتمال، ولا تجدي معها الظنون، والأوهام.
وقد ظهر لنا بجلاء من خلال السؤال، أن بحث السائل عن الحقيقة فيه قصور واضح. ولا نقول ذلك سباً، أو انتقاصا، وإنما نقوله للتنبيه والإيقاظ!

ولبيان ذلك نقول: إذا غضضنا الطرف عن الطريقة التي اتبعها السائل للوصول إلى الحق، وسلمنا له طريقة تفكيره، التي جعلته يبتدئ من باب الإعجاز العلمي في القرآن المجيد، وأنه وجده مليئا بالهزل، وليِّ أعناق الكلام لمطابقة المعنى المطلوب!

فهذا وإن كان وقع فيه بعض من تكلم في هذا الباب، مما حفز الباحثين إلى وضع ضوابط، وقواعد لتناول موضوع الإعجاز، ومن ذلك على سبيل المثال: كتاب (الإعجاز العلمي إلى أين؟ مقالات تقويمية للإعجاز العلمي) للدكتور مساعد الطيار. و(قواعد تناول الإعجاز العلمي، والطبي في السنة وضوابطه) للدكتور عبد الله المصلح. و(تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي، والطبي في السنة النبوية) للشيخ أحمد أبو الوفا.
إلا إن هذا لا ينفي وجود آيات بينات، هاديات في هذا الباب، ليس في تناولها هزل، ولا مبالغة، كالآيات التي تتناول وصف مراحل تكوين الجنين، ونشوء السحاب، وكيفية تكوين المطر، وغير ذلك. وراجع كتاب: (مباحث في إعجاز القرآن) للدكتور مصطفى مسلم. ومؤلفات الدكتور زغلول النجار في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
وأما قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19]. وقوله سبحانه: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]. فعلاقته بإثبات كروية الأرض، واضحة.
وأما ما نسبه السائل للشيخ ابن باز فكذب مفترى، وقد ردده بعض الكتاب عنه، وكتب الشيخ مقالا في جوابه، فقال في بدايته: وجوابي عن ذلك، أن أقول: (سبحانك هذا بهتان عظيم) لقد نشر المقال الذي أشار إليه الكاتب في جميع الصحف المحلية في رمضان 1385 واطلع عليه القراء في الداخل، والخارج، وليس فيه ذكر كروية الأرض بنفي، ولا إثبات، فضلا عن إهدار دم من قال بها، وقد وقع فيما نقلته في المقال من كلام العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما يدل على إثبات كروية الأرض. فكيف جاز لأحمد بهاء الدين، أو من نقل إليه هذا النبأ، أن يقدم على هذا البهتان الصريح، وينسبه إلى مقال قد نشر في العالم، وقرأه الناس، سبحان الله ما أعظم جرأة هذا المفتري، ولكن ليس بغريب أن يصدر مثل هذا الافتراء عن أنصار الإلحاد، والمذاهب الهدامة؛ فقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان .... اهـ.
وراجع في ذكر إجماع المعتبرين من أهل العلم على كروية الأرض، وتخطئة من خالف ذلك، الفتوى رقم: 131655.
وأما قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 -70]. ففيه كذلك أوجه بيِّنة للإعجاز، يضيق المقام عن ذكرها، وقد غفل عنها السائل.
وليس في هذه الآيات ما يتعارض مع المحاولات البشرية الدؤوبة لاستدرار المطر وزيادته؛ لأن هذا الجهد برمته لا يتوجه لإنتاج المزن نفسها، وإنما لاستدرار المطر من المزن التي خلقها الله تعالى، ثم قد يفلح هذا الجهد، وتزداد نسبة المطر، وقد لا يفلح، وإلى الآن لم يثبت نجاحه، لا على المستوى التقني، ولا على المستوى النظري! على أن الماء النازل بهذه التقنية، لا يخلو من مواد ضارة، فيبقى الامتنان ظاهرا في قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}.
وقد نقل الشيخ عبد المجيد الزنداني عن الدكتور محمد جمال الدين الفندي- أستاذ الفلك، والطبيعة الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرةـ قوله: إن الظروف الطبيعة التي تؤدي إلى تكوين المزن- السحاب- ونزول المطر، لا يمكن أن يصنعها البشر، بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها، ولا يزال موضوع " المطر الصناعي " - ليس مطرا صناعيا؛ لأن المطر لا يصنعه الإنسان في المعمل، وإنما هو مطر يستحث الإنسان نزوله- واستمطار السحب العابرة، مجرد تجارب، لم يثبت نجاحها بعد، وحتى إذا ما تم نجاحها، فإن من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي حتى يمكن استمطار السماء صناعيا، أي: إن واجب علماء الطبيعة الجوية، لا يتعدى قدح الزناد فقط. اهـ.
وهناك مقال مهم، ومفيد يحتاج إليه السائل، وهو للأكاديمي البيئي أسعد سراج أبو رزيزة بعنوان: (الاستمطار.. أهو عبث بعناصر البيئة؟) فننصحه بالرجوع إليه.

وقد سبق لنا ذكر بعض الكتب في الرد على شبهات الإلحاد، وذلك في الفتويين: 203740، 114450. كما سبق لنا ذكر بعض الأدلة على أن القرآن كلام الله تعالى، ورسالته إلى خلقه، فراجع الفتويين: 19694، 173259.
وأخيرا فإننا ننصح السائل بأن ينأى بنفسه عن التعرض للشبهات، وأن يجتهد في طلب العلم النافع، وينشغل بالعمل الصالح.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني