الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة: الحق واحد أم متعدد عند اختلاف العلماء

السؤال

عند تصفح كتاب: الصلاة ـ للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ وجدت في الصفحات الأولى استدلالا ومناقشته لموضوع الاختلاف منتصرا بشدة لضرورة أن يكون أحد الآراء عند الاختلاف صحيحا والآخر باطلا, وهذه لمحة، لأنه مجرد تصفح في المكتبة وأظنكم تعلمون هذا الأمر، فهل يمكن أن تبينوه مع ترجيحكم؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه المسألة من المسائل الخلافية التي أطال الأصوليون البحث فيها، وعامتهم على أن الحق واحد لا يتعدد، وهو في أحد الأقوال فقط، ولم يتعين لنا، لكنه عند الله متعين، يقول الشوكاني في إرشاد الفحول: وقد اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا، واختلف النقل عنهم في ذلك اختلافا كثيرا، فذهب جمع جم إلى أن كل قول من أقوال المجتهدين فيها حق، وأن كل واحد منهم مصيب، وحكاه الماوردي، والروياني، عن الأكثرين، قال الماوردي: وهو قول أبي الحسن الأشعري والمعتزلة، وذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأكثر الفقهاء إلى أن الحق في أحد الأقوال، ولم يتعين لنا، وهو عند الله متعين، لاستحالة أن يكون الشيء الواحد، في الزمان الواحد، في الشخص الواحد حلالا وحراما، وقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يُخطِّئ بعضهم بعضا، ويعترض بعضهم على بعض، ولو كان اجتهاد كل مجتهد حقا، لم يكن للتخطئة وجه. اهـ.

وبهذا تعلم أن ما ذهب إليه الشيخ الألباني من أن الحق واحد لا يتعدد، هو رأي جمهور أهل العلم، وهو المعول عليه في هذه المسألة، لكن ذلك لا يلغي أن اختلاف المجتهدين في سبيل البحث عن الحق سائغ، ولمن أصاب منهم أجران وللمخطئ أجر، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. متفق عليه.

ولذا تجد أن الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ يورد في آخر كلامه عن هذه المسألة ما يفهم منه استساغة الاختلاف وعدم إنكاره، حيث يقول: وأما الرجوع إلى أقوالهم والاستفادة منها والاستعانة بها على تفهم وجه الحق فيما اختلفوا فيه مما ليس عليه نص في الكتاب والسنة، أو ما كان منها بحاجة إلى توضيح فأمر لا ننكره، بل نأمر به ونحض عليه، لأن الفائدة منه مرجوة لمن سلك سبيل الاهتداء بالكتاب والسنة. اهـ.

ومعلوم أنه لا لوم ولا إثم على المجتهد المخطئ إذا بذل ما في وسعه للوصول إلى الحق، بل له أجر بنص الحديث السابق، وكذلك الحال بالنسبة لمقلده إذا كان تقليده صحيحا وليس لأجل الهوى وتتبع الرخص، يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وَأَمَّا تَقْلِيدُ الْعَالِمِ حَيْثُ يَجُوزُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اتِّبَاعِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَغَلِّبَةِ عَلَى الظَّنِّ، كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ إصَابَةُ الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ كَمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ الْمُخْبِرِ. اهـ.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 6787، 62828، 10940، 16387.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني