الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يستلم راتبا له ولإخوته فيقتطع نصيبه دون علم الوصي على إخوته

السؤال

أتقاضى أنا وإخوتي اليتامى راتبا شهريا، وأقوم بأخذ قسطي وإعطاء الباقي للوالدة بحكم الوصاية عليهم، مع العلم أنهم لا يعلمون أنني آخذه، ولا يعلمون مقداره، فهل يعتبر المال حلالا أم يجب علي إخبارهم؟ أم هي مسألة اختيارية؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أنك تقصد راتب التقاعد المتعلق بأحد المتوفين كأبيك أو نحوه، وعلى ذلك، فلا يخلو هذا الراتب من أحد ثلاثة أحوال:
1ـ أن يكون من مستحقات الميت على جهة العمل كأن يكون نهاية خدمة أو جزءا ادخرته الدولة أو جهة العمل من راتبه، فهذا يكون للورثة جميعا، يقسم بينهم القسمة الشرعية، ومعلوم أن القسمة تحتاج إلى قاسم، وقد نص العلماء على أن الوصي الوارث لا يجوز له أن يتولى قسمة الميراث بينه وبين باقي الورثة، وأن ولي الأيتام لا ينفرد بالقسمة بينه وبينهم، فمن باب أولى ألا ينفرد بالقسمة من لا وصاية ولا ولاية له أصلا، جاء في فتاوى السبكي: إلا أن يكون الوصي وارثا، فلا يتولى القسمة بين نفسه وبقية الورثة، بل يرفع الأمر إلى الحاكم لينصب معه من يقسم بينهم، كما قال القفال.

وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي: واعلم أيضاً أنه لا يجوز لولي الأيتام أن يتولى القسمة بينهم بنفسه وحده، حيث قلنا إنها بيع، سواء أكان فيها تقويم أم لا، وكذا إن قلنا إنها إفرازاً وكان فيها تقويم، لقولهم حيث كان في القسمة تقويم فلابد من اثنين يشهدان بالقسمة، وكذا إن لم يكن فيها تقويم، كما في فتاوى الأصبحي.

وجاء في الموسوعة الفقهية: القسمة تحتاج إلى قاسم، وقد يتولى القسمة الشركاء أنفسهم إذا كانوا ذوي أهلية وملك وولاية، فيقسمون المال بينهم بالتراضي، وقد يتولى القسمة غير الشركاء ممن يعينونه، أو ينصبه الحاكم.

وعلى ذلك، فلا يجوز لك تولي قسمة الراتب ابتداء، بل تعلم باقي الورثة أولا، ومن ثم يتم الاتفاق على قاسم يتولى ذلك وحيث إن أمك وصية على إخوتك، فيلزمك إعلامها، فإن حصل الاتفاق على تعيينك قاسما، فحينئذ تجوز لك أن تباشر قسمة الراتب.
2ـ أن يكون هبة من الدولة أو جهة العمل وليس مستحقات للميت، فهذا يكون لمن عينتهم الجهة المانحة، فإن جعلته لليتامي فقط مثلا، فهو لهم، ولا يقسم قسمة الميراث، لأنه ليس تركة للميت، وعليه فإن لم تكن داخلا فيمن عينتهم الدولة ، فلا يجوز لك أخذ شيء منه، ولو برضاهم أو رضا الوصي، حيث إن الصغير لا تجوز عطيته إلا بالغا راشدا والوصي لا يملك التبرع من مال الموصى عليهم، جاء في الموسوعة الفقهية: ولا يجوز للوصي باتفاق الفقهاء أن يهب شيئاً من مال الصغير ومن في حكمه، ولا أن يتصدق ولا أن يوصي بشيء منه، لأنها من التصرفات الضارة ضرراً محضاً، فلا يملكها الوصي، ولا الولي ولو كان أباً، وكذلك لا يجوز له أن يقرض مال الصغير ونحوه لغيره، ولا أن يقترضه لنفسه... انتهى مختصراً.

وانظر الفتويين رقم: 28928، ورقم: 134490.

وإن لم تعين الجهة أحداً ولا جهة، فيقسم كباقي تركة الميت، على ما سبق بيانه في الحالة الأولى.
3ـ وإما أن يكون خليطاً بأن يخصم منه شيء من أصل الاستحقاقات، وتتبرع جهة العمل بشيء آخر، فما كان منه مخصوماً من الاستحقاقات، فهو جزء من التركة، يقسم كقسمتها، وما كان منه تبرعاً من جهة العمل، فهو حق لمن صرفته لهم دون غيرهم، كما سبق بيانه، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 107986، وإحالاتها.
ومما سبق يتضح أنه لا يجوز لك أخذ شيء من الراتب دون علم الوالدة إن كان يجري مجرى الميراث، ولا يجوز لك أخذ شيء منه أصلا إن حددت الجهة المانحة له مصرفا لا يشملك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني