الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الهبة والميراث إذا كانا من مال اختلط فيه الحرام بالحلال

السؤال

ورثت عن أبي- رحمه الله-مبلغا من ‏المال، مصدر هذه الأموال كان من ‏راتب أبي، وأيضا من مضاربته في ‏البورصة، ومن فوائد ربوية من ‏شهادات استثمار. ثم اشترى أبي بهذه ‏الأموال قطعة أرض، وبنى بيتا، ثم ‏باعه بعد بضع سنوات، بعد أن زاد ‏سعر البيت، ووضع المال في وديعة ‏في البنك، واقتطع جزءا من نصيبي ‏من الوديعة، وهو النصف. واشترى ‏لي به شقة، وبقي النصف الآخر من ‏ميراثي في الوديعة.‏
‏ المشكلة أن الأموال التي ورثتها ‏اختلطت بأموال الفوائد الربوية، ‏وراتب أبي، وأموال مضاربة ‏البورصة، يعني اختلط الحلال ‏بالحرام، بحيث يصعب تحديد قيمة ‏الأموال الحلال من الحرام، وزادت ‏مع زيادة سعر البيت الذي اشتراه.‏
ماذا أفعل؟ وقد اشترى لي أبي ‏بنصف نصيبي من الميراث شقة قبل ‏وفاته، وبقي النصف الآخر في ‏الوديعة.‏
‏ ماذا أفعل بباقي الميراث؟ وكيف ‏أتصرف فيه؟
‏ أفتوني جزاكم الله خيرا.‏
ولكم جزيل الشكر.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فشكر الله لك تحريك في أمر الحلال والحرام.

وأما ما سألت عنه: فاعلم أن الشقة التي اشتراها لك والدك ليست ميراثا، وإنما هي هبة حال الحياة، ولا يحرم قبول هبة صاحب المال المختلط.

وأما الميراث فهو ما آلَ إليك من مال والدك بعد وفاته، وهذا المال يجب أن يخرج منه الفوائد الربوية، وسائر ما اكتسِب بسبيل غير مشروع قبل القسمة، على الراجح من أقوال أهل العلم، فإن لم يستطيعوا تعيينه ولو بالاجتهاد، والتقدير، أخرجوا نصف المال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا، فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به، والباقي لا يحرم عليه، وإن اختلط الحلال بالحرام، وجهل قدر كل منهما، جعل ذلك نصفين. اهـ.

وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 147983، 97167، 9616، 131757.
وهنا ننبه على أن البيت الذي بناه والدك، وباعه بعد زيادة سعره، إنما يتعلق بذمته منه ما دخل في أصله من المال الحرام، وأما ما زاد على ذلك مع زيادة السعر، فهو له على مذهب الشافعية، والمالكية؛ لأن ربح المال الحرام تبع للجهد، لا لرأس المال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن القطان وحسنه الألباني. وراجع الفتوى رقم: 18275.

ويتسع الأمر أكثر وأكثر على السائل على قول من يقول من أهل العلم: إن المال الحرام بسبب طريقة كسبه لا لذاته، يكون محرما على مكتسبه فقط، وأما من اكتسبه منه بطريق مباحة، فلا يحرم عليه. وعلى هذا القول، فلا يجب على الورثة إخراج قدر الفوائد الربوية من التركة، وراجع الفتويين: 255337، 237748.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني