الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التكفير عن الأيمان التي حمل عليها الوسوسة

السؤال

بداية أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمونه من مساعدة للناس، جعلها الله في موازين حسناتكم: أنا مريض بالوسواس القهري للأسف، وسؤالي عن كفارة اليمين، حلفت مرة أن لا أسامح شخصاً إن فعل كذا.. وفعله، والآن أريد أن أسامحه، فهل أكفر عن يميني تلك؟ علماً بأن هذا الحلف قديم، والآن تبت من جديد لله تعالى، فهل التوبة تجب ما قبلها في هذه الحالة؟ وهل تسقط عني؟ وأيضاً حلفت مرة ألا أعيد غسل الذكر وأعدته، وهذا قبل آخر توبة لي؟ فهل التوبة تجب ما قبلها؟ وأيضاً عندما أردت التوبة فإنني أوسوس فيها، أقرأ شروط التوبة وأستحضرها في عقلي وأعمل بها وتأتيني وساوس، فحلفت أن لا أعيد التوبة وأعدتها؟ أي عند إعادتي للتوبة أصبح حلف اليمين قبل توبتي الأخيرة، فهل تجب ما قبلها؟ وأيضاً أثناء غسلي من الجنابة وأثناء الاستنشاق والاستنثار حلفت ألا أعيده خصوصاً أن الاستنشاق والاستنثار تكرارهما متعب جداً، فهل علي كفارة يمين؟ وهل الأفضل أن أكفر عن يميني احتياطا، أقصد ربما كنت حلفت فعلاً عن إرادة أو بدونها، وأرجو توضيح ماهية الكفارة بالضبط، اخترت إطعام عشرة مساكين، فهل مثلاً أبحث عن عمال النظافة في بلدي؟ وهل يعتبرون من المساكين؟ علماً بأن رواتبهم قليلة جداً ويسعدون كثيراً بالمساعدة من الناس، وشخصياً أعتبرهم مساكين من ناحيتي، فهل مثلاً أقدم لهم ساندوتش خبز بالبيض أو بالجبن مع عصير وماء؟ وهل هذا يكفي وأطعم عشرة عمال من نفس الشيء؟ وهل يجب أن يتم في يوم واحد وفي وقت واحد، أم لا بأس بأن أطعم اليوم اثنين مثلاً وغداً واحدا إلى أن أكمل الكفارات التي يجب أن أقضيها.
أرجو التوضيح الدقيق، لأنني موسوس، وأرجو منكم الدعاء لي بالشفاء العاجل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، ونوصيك بما نوصي به المصابين بهذا الداء من ضرورة الإعراض عن الوسواس وعدم الاسترسال فيه، وانظر الفتوى رقم: 51601.

كما ننصحك بعدم الإكثار من الحلف امتثالا لقول الله عز وجل: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224}.

وقوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.

وليس مطلوبا من الموسوس أن يحلف على ترك ما يوسوس فيه، بل المشروع له هو الكف والإعراض عن الوسواس وعدم التمادي فيه.

أما بخصوص ما سألت عنه: فسنحاول بسط الإجابة في نقاط لتكون واضحة للسائل الكريم:

1ـ هذه الأيمان التي حلفت إن كنت حلفتها أو حنثت فيها تحت تأثير الوسوسة بحيث لا يمكنك دفعها، فلا شيء عليك ـ إن شاء الله ـ لأنك في معنى المكره، وإن لم يكن حلفك ولا حنثك تحت تأثير الوسوسة فتلزمك الكفارة عن كل محلوف عنه أو عليه إذا حنثت في يمينك، وانظر الفتوى رقم: 164941.

2ـ الأولى أن تسامح ذلك الشخص الذي حلفت على عدم مسامحته، ثم تكفر عن يمينك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إني والله ـ إن شاء الله ـ لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير. متفق عليه.

3ـ التوبة الصادقة تجب ما قبلها، بمعنى أنها تمحو الإثم إن حصلت وفق الشروط المبينة في الفتوى رقم: 78925، لكنها لا تسقط الكفارة إذا ترتبت على الشخص، وانظر فتوانا رقم: 9302،

4ـ كفارة اليمين جاءت مبينة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ {المائدة:89}.

وهي على الترتيب والتخيير معا، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 2053.

وإذا أراد الإنسان الإطعام، فإن الواجب المجزئ في كفارة اليمين بالإطعام هو: نصف صاع من الطعام الذي يطعم منه الشخص نفسه وأهله، لكل مسكين، وقدره: كيلو ونصف تقريباً، كما يجزئ إطعام المساكين وجبة غداء وعشاء، ولا يجزئ غداء فقط أو عشاء فقط، وانظري الفتوى: 95847.

ولذا، فإن ساندويش مع عصير وماء لا يجزئ في الإطعام إلا إذا كان ذلك هو أوسط ما يطعم به صاحب الكفارة أهله، لقول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ {المائدة:89}.

وإذا كان هو أوسط ما يطعم به صاحب الكفارة أهله، فلابد أيضا من إعطاء ذلك القدر للمسكين مرتين، وانظر الفتوى رقم: 256207.

5ـ يجزئ دفع الكفارة للعمال إذا كانوا فقراء مسلمين لا تلزم صاحب الكفارة نفقتهم، أما إذا لم يكونوا فقراء، أو كانوا غير مسلمين، فإنه لا يجزئ دفعها لهم، وانظر الفتوى رقم: 50362.

كما لا تجزئ إذا أطعم بها عماله الذين قد التزم بنفقتهم، لأنه بدفعها لهم يكون قد أسقط بها عن نفسه ما وجب عليه لهم.

6ـ المطلوب من صاحب الكفارة إطعام عشرة مساكين سواء كان ذلك دفعة واحدة أو متفاوتين، وانظر الفتوى رقم: 132899.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني