الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زيادة الكرب بعد الدعاء لا يعني عدم قبوله فقد يزيد البلاء ثم يعقبه الفرج

السؤال

أنا شاب أعمل في مجال الدعاية لمجموعة من المنتجات الطبية، وطبيعة عملي تتضمن القيام بزيارات يومية للأطباء لتقديم المنتج أو لتذكيرهم به ـ وهو الغالب ـ وتطلب مني الشركة عددا محددا من الزيارات ـ 10 على سبيل المثال ـ ويطلب منا تحقيق مبيعات سنوي ـ مليون ريال مثلا ـ وهناك عمولة إذا تجاوزت الهدف المحدد تقاس بنسبة معينة، والمشكلة أنني ومع مرور السنين من عملي على نفس المنتجات بدأت أشعر بملل شديد، وتمر بي ظروف سيأتي شرحها، فقمت بتقليص القائمة التي أزورها لأسباب، وهي أن بعض الأطباء غير مهتمين من ناحية مردود المبيعات، والبعض الآخر بسبب مواقف حصلت بيننا على مر السنين، وصرت أقلل من عدد الزيارات اليومية إلى ما يعدل النصف كمتوسط بسسب بعض الظروف التي أثرت علي نفسيا، ومع هذا فلازلت أحقق الهدف المطلوب مني وزيادة، بسبب توفيق الله أولا وأخيرا، ومن ثم خبرتي الطويلة وعلاقاتي المتينة مع عدد من الأطباء المهمين، وعلى مدى آخر خمسة أعوام كنت من المميزين جدا على مستوى الشركة كلها في المبيعات وإدارة النشاطات الجانبية، مثل المحاضرات واللقاءات مع الأطباء، وتمنع شركتنا أن يكون للموظف أي عمل آخر غيرها، وخاصة مؤسسة صيدلانية مسجلة باسمك تحديدا، حتى لا يؤثر على عملك فيها، وكنت قد أسست عدة أعمال في المجال الصيدلاني بدون علم الشركة، وكانت الأمور جيدة في البداية، ثم بدأت المشكلة قبل قرابة ثلاث سنوات عندما تعرضت لخسارة فادحة في أحد هذه المشاريع بسبب أخطاء في الإدارة وغدر الشركاء، ثم انهارت كل المشاريع، وترتب علي ديون كثيرة, فلجأت إلى الله بالدعاء ليفك عني الكرب، فتيسر لي أمر حاولت من خلاله تدارك الأمر بتأسيسي عملا جديدا، فكان فيه عدم توفيق واضح رغم الاستخارة، وزادت علي الديون واشتد الكرب علي، ولجأت إلى الله بصدق ليفك عني الكرب، فلم أر أي أثر للإجابة، بل زادت الأمور سوءا....وتأخر الزواج رغم الحاجة الماسة له، وأحاول أن لا أشكو همي لغير الله، لكن تدافع الخطوب علي وعدم قدرتي على التحمل، وكثرة الدعاء دون أي أثر للإجابة جعلتني أشك أن تقصيري في الزيارات المطلوبة مني للعمل هي السبب في هذا الكرب وأنها أدخلت علي مالا حراما، والأسئلة هي:
أولا: هل التقصير في الزيارات أدخل علي مالا حراما أدى لهذا الكرب وعدم إجابة الدعاء؟.
ثانيا: هل عدم وجود أثر للإجابة وانحدار الأمور دليل على عدم إجابة الدعاء؟.
ثالثا: حاولت أن أصحح وضع الزيارات، ولكن حالتي النفسية السيئة وتحقيقي لهدف المبيعات المطلوب يثنيني عن ذلك، فهل هذا عذر لي أم يجب علي ترك الشركة؟.
رابعا: منذ صغري أصلي ولم أتعامل بالربا قط وعلى العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة وأرفض البدع. ومن أهل المسجد دائما إلا أن صلاة الفجر تغلبني أحيانا في البيت، لكنني غالبا أصليها في المسجد ـ ولله الحمد ـ وأداوم على أذكار الصباح والمساء، وأقرأ معظم ما صح عن أدعية قضاء الدين وتفريج الهم كل يوم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يغفر ذنبك، ويفرج كربك، ويرزقك الحلال، وقد سبق لنا بيان حكم العمل بوظيفة مندوب دعاية لشركة أدوية، وبعض ما يتعلق بذلك في الفتويين رقم: 112921، ورقم: 56028.

ثم إن ما شرطوه عليك من عدم فتح مؤسسات صيدلية، ونحو ذلك شرط صحيح، يجب الوفاء به إذا كان لهم فيه غرض صحيح، كتأثيره على العمل، وانظر الفتويين رقم: 18085، ورقم: 205825.

وبالتالي، فطالما أنك خالفت الشرط، فقد تعرضت للإثم، والواجب التوبة، والالتزام بما قرروا، وكذلك، الواجب الوفاء بعدد الزيارات المذكورة، ونحو ذلك، فالمسلمون عند شروطهم، ونرجو الله إن وفيت بما يلزمك أن يُعينك الله، وأن يكفيك ما عليك من دين، وكونك محافظا على الشعائر الظاهرة خير عظيم، ولكن يجب عليك الالتزام بما ذُكِر، والتوبة من التقصير في ذلك، وازدياد الكرب بعد الدعاء، لا يعني عدم قبوله، فقد يزيد البلاء، ثم يعقبه الفرج، فيعقوب ـ عليه السلام ـ اشتد رجاؤه في عودة يوسف لما اشتد الكرب بفقده ولدين آخرين من ولده، قال تعالى: ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {يوسف: 81ـ 86}.

وراجع للفائدة الفتويين رقم: 145233، ورقم: 11571.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني