الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أجبرت زوجها على الطلاق ثم طلقها ثانية على مال وراجعها ثم طلقها

السؤال

أريد توجيهكم سماحة المفتي: أصررت على طليقي أن يأتيني بصك الطلاق بعد أن أجبرته على الطلاق من قبل، حيث إنني في يوم كنت غاضبة جدا ومنهارة نفسيا إثر مشاكل سابقة متكررة لم نتوصل معها لإصلاح حينها وأصبحت أصرخ وأتصرف تصرفات غير سليمة: مثل الإضرار بسيارته، وبه، وبنفسي ـ وكان يرفض ولا يريد الطلاق، ولم أكن أريده، وأصبحت أمشي في الشارع وأهدد بصوت عال، فرضخ لإصراري وقال أنت طالق، فهل وقع الطلاق؟ وللعلم كنت في طهر جامعني فيه، وبالنسبة للطلاق الثاني الذي يسبقه أيضا: فقد كان بعد مشاكل اتفقت معه على أن أعطيه مهره ويطلقني، فأعطيته نصفه على أساس أن أعطيه الباقي غدا، فطلق، فهل يعتبر خلعا أم طلاقا؟ وبعدها راجعني بشهادة رجلين أما الأول: فكان متعاطفا مع خالتي الأرملة وقال إنه سيتزوجها، فقلت لا تحل لك، فقال ما الحل؟ فقلت تطلقني، فقال أنت طالق، وللعلم فهو جاهل وتعليمه بسيط ولم يكن ينويها أصلا ونطقها على عجل وبدون تفكير، حيث كان فقط يفكر في أنها أرملة وأم ليتيم وهو يريد الخير بها، فهل يعتبر طلاقا؟ وبعد أن صدر صك الطلاق من المحكمة بإصرار مني، نرغب في الرجوع لبعضنا، لأن بيننا طفلة صغيرة، فهل من حل؟ وكيف؟.
أرشدونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول زوجك لك: أنت طالق ـ لفظ صريح يقع به الطلاق بغض النظر عن نيته، قال ابن قدامة رحمه الله:.. فاللفظ ينقسم فيه إلى صريح وكناية، فالصريح يقع به الطلاق من غير نية.

والطلاق الذي كان على مال لا يعتبر فسخًا، وإنما هو طلاق عند أكثر أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله:.... وهذا الخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق، ولم ينوه، فأما إن بذلت له العوض على فراقها، فهو طلاق، لا اختلاف فيه.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إلى اعتبار هذه الفرقة فسخاً لا ينقص بها عدد الطلاق، قال رحمه الله في مجموع الفتاوى: وهذا القول الذي ذكرناه من أن الخلع فسخ تبين به المرأة بأي لفظ كان: هو الصحيح الذي عليه تدل النصوص والأصول، وعلى هذا، فإذا فارق المرأة بالعوض عدة مرات كان له أن يتزوجها، سواء كان بلفظ الطلاق أو غيره.

وأما الطلاق الذي ذكرت أنه وقع تحت إكراه، فلم يظهر لنا وجه الإكراه فيه، وذلك أنّ الإكراه المعتبر الذي يمنع نفوذ الطلاق، له شروط لا يتحقق بغيرها، قال المرداوي الحنبلي رحمه الله: يُشْتَرَطُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ قَادِرًا بِسُلْطَانٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَهَرَبِهِ وَاخْتِفَائِهِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ الطَّوِيلَيْنِ، وَأَخْذِ الْمَالِ الْكَثِيرِ.

فإن كان زوجك طلقك ليتخلص من صراخك ومشاغبتك، فطلاقه نافذ، لعدم تحقق الإكراه، وأما إن كان طلقك لغلبة ظنّه أنّه إذا لم يطلق فإنّك ستفعلين به أو بنفسك مكروهاً عظيماً كالقتل أو إتلاف عضو أو نحو ذلك، فالظاهر لنا أنّ طلاقه غير نافذ لدخوله في معنى الإكراه الذي لا يصح معه الطلاق، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 167851.

وما دام في المسألة تفصيل وخلاف بين أهل العلم، فالذي ننصح به عرض المسألة على المحكمة الشرعية أو على من تمكنكم مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم في بلدكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني