الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يجوز للموسوس الأخذ بأيسر الأقوال رفعا للحرج

السؤال

حضرة العلماء الأفاضل: هذا كلامكم ‏الموقر، في الفتوى رقم: 139541: ‏قال النووي في شرح المهذب: قال ‏أصحابنا: فإن كانت بكرا، لم يلزمها ‏إيصال الماء إلى داخل فرجها، وإن ‏كانت ثيبا، وجب إيصاله إلى ما ‏يظهر في حال قعودها لقضاء ‏الحاجة؛ لأنه صار في حكم الظاهر، ‏هكذا نص عليه الشافعي، وجمهور ‏الأصحاب، وحكى القاضي حسين، ‏والبغوي وجها ضعيفا أنه يجب على ‏الثيب إيصاله إلى داخل فرجها، بناء ‏على نجاسته، ووجها أنه يجب في ‏غسل الحيض، والنفاس لإزالة ‏النجاسة، ولا يجب في الجنابة، ‏وقطع إمام الحرمين بأنه لا يجب ‏على الثيب إيصاله إلى ما وراء ‏ملتقى الشفرين. قال: لأنا إذا لم ‏نوجب إيصال الماء إلى داخل الفم، ‏فهذا أولى، والصواب ما سبق عن ‏الشافعي، والأصحاب. انتهى.‏
‏ وأنا امرأة ثيب! عندهم يجب إدخال ‏الماء لباطن فرجي. أستحلفكم بالله، ‏لماذا أوردتم قول القاضي حسين، ‏والبغوي وبعدها قلتم إنه قول ‏ضعيف؟ لماذا تدخلون الموسوسين ‏مثلي في غم، وهم؟ أنا ألزم نفسي ‏باتباع الأحوط حتى إن كان ضعيفا، ‏خوفا من أن أكون متبعة للهوى، فأنا ‏أخاف من أن أكون متبعة للهوى! ‏لماذا لا تقولون هكذا-لا يجوز إدخال ‏الماء لباطن الفرج "اتفاقا"!!!! لماذا ‏تصرون على إظهار الخلاف أمام ‏الناس، فكما قلتم هذا قول ضعيف، ‏فلماذا أوردتموه؟!!!!!!!! ‏
هل أعتبر متبعة للهوى إن لم أدخل ‏الماء لباطن فرجي؟
‏ لكن إن اتبعت هذا القول، سأدخل ‏في ألف وسوسة، ووسوسة. فلماذا ‏أودتم قول من قال يجب إدخال الماء ‏لباطن الفرج، إن كان ضعيفا عندكم؟ ‏هل هو لزيادة وسوستنا؟ ‏
أستحلفكم بالله! فما ذنبي الآن أن ‏أتكلف إدخال الماء لباطن فرجي، ‏وأن أشك بعدها أنه خرج مني ماء ‏نجس، ثم أعيد استعمال الماء مرة ‏أخرى، ثم أعيد، ثم أعيد!‏
‏ ما هذا الأسلوب! ‏
وكذلك قلتم في الفتوى رقم: ‏‏162707: وقيل إن العامي لا بد له ‏من التحري، واتباع الأرجح، كما قال ‏الشاطبي ـرحمه الله-: لا يتخير؛ لأن ‏في التخير إسقاط التكليف، ومتى ‏خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب ‏العلماء، لم يبق لهم مرجع إلا اتباع ‏الشهوات، والهوى في الاختيار؛ ‏ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، ‏وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك ‏قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له ‏أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون ‏النظر في الترجيح إجماعاً، وذهب ‏بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد ‏احتياطاً. اهـ.‏
‏ فهل قولكم: "ذهب بعضهم إلى أن ‏الترجيح يكون بالأشد احتياطا!؟" ‏فهل هذا يعني أن هناك من العلماء ‏من يوجب، ويجعل الشخص آثما إن ‏لم يتبع الأشد احتياطا!!‏
هل هناك أحد من العلماء يجعل ‏الشخص آثما إن لم يتبع الأحوط؟ ‏فهل يجب علي بناء على قولهم، أن ‏أتبع الأحوط، وأن أدخل الماء لباطن ‏فرجا احتياطا، وإلا كنت آثمة عندهم! ‏أستحلفكم بالله الإجابة! هل هناك أحد ‏من العلماء أوجب اتباع الأحوط ‏وجوبا، وجعل من لم يتبع الأحوط ‏آثما؟ وماذا لو كان الأحوط شاذا، أو ‏ضعيفا. فهل كذلك عند أولئك العلماء ‏الذين قالوا بترجيح الأحوط نأثم إن ‏تركنا الأحوط غير الراجح أيضا؟!!!‏
أفتوني في أمري قبل أن أنتحر! ‏مللت! فأنا أقوم بالدخول لآراء ‏العلماء، وأنتقي الأحوط؛ وذلك لأني ‏قرأت فتواكم أعلاه، التي تقولون ‏فيها إن قسما من العلماء قالوا إن ‏الترجيح يكون بالأحوط! ‏
فهل معناها أن هناك من العلماء من ‏يلزمني، ويُؤثِّمني إن لم أتبع ‏الأحوط؟ وهل عندها يجب أن أتحرى ‏صحة صلاتي، وصحة نكاحي، ‏وصحة وضوئي بأن أتحرى خلاف ‏العلماء، والمذاهب، وأنتقي أقواها ‏وأصعبها، وإلا كان نكاحي، ‏وصلاتي، ووضوئي باطلا عند من ‏قال بوجوب ترجيح الأحوط؟
قد شق علي الأمر قليلا، وأنا على ‏حافه الجنون! أستحلفكم بالله أن ‏تفتوني. فهل "فعلا" هناك من ‏يوجب، ويُؤثم من لا يتبع الأحوط في ‏كل حياته؟ فهل يجب أن أبطل ‏زواجي إن كان لا يصح لأمر ما، عند ‏أحد من الفقهاء؟ وماذا لو زواجي قد ‏صح عند أغلب الفقهاء، أو كلهم باستثناء ‏شخص واحد؟ ‏
قد شق الأمر علي يا علمائي. فهل ‏فعلا قولكم أعلاه يعني أن هناك من ‏العلماء من قال بوجوب اتباع ‏الأحوط! هل هو وجوب حيث نأثم ‏بتركه!؟
ما معنى كلامكم التالي في ‏نفس الفتوى أعلاه: وجاء في ‏الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ بَعْضُ ‏الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ ‏إِذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فَتْوَى عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، ‏فَهُوَ مُخَيَّرٌ يَأْخُذُ بِأَيِّهَا شَاءَ. قَال ‏الشَّوْكَانِيُّ: وَاسْتَدَلُّوا بِإِجْمَاعِ ‏الصَّحَابَةِ، عَلَى عَدَمِ إِنْكَارِ الْعَمَل ‏بِقَوْل الْمَفْضُول مَعَ وُجُودِ الأْفْضَل، ‏وَقِيل: لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، بَل لاَ ‏بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ، ‏وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَحْمَدُ ‏فِي رِوَايَةٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَدْ ‏قِيل: يَأْخُذُ بِالأْغْلَظِ، وَقِيل: بِالأْخَفِّ.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي يريحك من هذا العناء، أن تعلمي أن الموسوس لا بد له من الإعراض عن الوساوس، وعدم الالتفات إليها، وأننا قد قررنا أن للموسوس الترخص، والأخذ بأيسر الأقوال؛ رفعا للحرج، وأنه لا يأثم بذلك، وانظري الفتوى رقم: 181305.

فدعي عنك كل هذه التساؤلات، وخذي بما يتيسر عليك من الأقوال، ولا يجب عليك إدخال الماء إلى باطن الفرج في قول عامة العلماء، وإنما ذكرنا الخلاف، وبينا ضعف القول الثاني كما ذكره المحققون، فأي تثريب علينا في هذا، ونحن نذكر ما يذكره العلماء، فإذا ذكرنا القول، وضعفناه كما ضعفه العلماء، فما الذي يحملك على الوسوسة، ويدعوك إلى تحري اتباع القول الذي حكم المحققون بضعفه؟ وإذا كان بعض العلماء قد أوجب اتباع الأشد حيث لا ترجيح، فبعضهم قد رخص في اتباع الأسهل، وبعضهم رأى التخيير، وأنت دعكِ من هذا الخلاف، وخذي بما نصحناك به من القول الأسهل لمكان حاجتك لذلك كونك مصابة بالوسوسة، نسأل الله لك العافية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني