الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يتعارض التفكير في أمر ما أثناء الصلاة مع الخشوع فيها؟

السؤال

نقل في كتاب الجواب الكافى أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه كان يجهز الجيش وهو في الصلاة، وأن هذه مرحلة عالية ومرتبة كبيرة، و لكن هذه المقولة لم أستطع تفسيرها؛ لأن ذلك في ذهنى يتعارض مع الخشوع؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد بوب البخاري في صحيحه بابا فقال: بَاب يُفْكِرُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ. اهــ
وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح كما قال الحافظ في الفتح، وتجهيزه للجيش في الصلاة لا يتعارض مع الخشوع إما لأنه لا يأخذ منه وقتا طويلا كما قاله بعض العلماء ونقله الحافظ عن ابن التين فقال:
قال ابن التين: إنما هذا فيما يقل فيه التفكر كأن يقول أجهز فلانا، أقدم فلانا، أخرج من العدد كذا وكذا، فيأتي على ما يريد في أقل شيء من الفكرة، فأما أن يتابع التفكر ويكثر حتى لا يدري كم صلى؟ فهذا اللاهي في صلاته فيجب عليه الإعادة. اهــ .

وإما لأن قلبه اتسع لكلا الأمرين للخشوع وللتفكر في أمر من أمور الأمة، كما وقع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين صلى العصر بِالْمَدِينَةِ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ، والحديث في البخاري، واستدل به العلماء على أَنَّ التَّفَكُّر فِي الصَّلَاة فِي أَمْرٍ لَا يَتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ لَا يُفْسِدهَا وَلَا ينْقص مِنْ كَمَالِهَا كما قاله الحافظ في الفتح .
وجعل ابن القيم هذا الذي وقع لعمر من قبيل ما كان يحدث للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان مقبلا على الله بقلبه في صلاته مع مراعاة حال من خلفه وتفكره في أمرهم فقد قال في روضة المحبين:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلبه متوجه في الصلاة إلى ربه، وإلى مراعاة أحوال من يصلي خلفه، وكان يسمع بكاء الصبي؛ فيخفف الصلاة خشية أن يشق على أمه، أفلا ترى قلبه الواسع الكريم كيف اتسع للأمرين، ولا يظن أن هذا من خصائص النبوة، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهز جيشه وهو في الصلاة فيتسع قلبه للصلاة والجهاد في آن واحد، وهذا بحسب سعة القلب وضيقه وقوته وضعفه. اهــ

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني