الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقوع ما يخبر به المنجمون أحيانا لا يدل على صدقهم

السؤال

لماذا المنجمون يخبرون بأشياء ستقع في المستقبل وأحيانا تتحقق؟
أنا لم أتعامل مع هذا النوع من الناس ولا من يدعون علم الغيب، لكننا درسنا في المنهج في التاريخ المصري حين زحف التتار على أرض مصر أن السلطان استعان بأحد المنجمين فقال له: ستهزم التتار ويهزمونك، وسيولد غلام في أهل بيتك سيهزم التتار هزيمة ساحقة، وقد كان، وقالت لي زميلتي ذات مرة: أنها قرأت في الأبراج فتحقق لها كل ما قرأته.
لماذا تتحقق هذه النبوءات؟ أليسوا كاذبين؟
وهل ثبت عن الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ أنه كان خارجا لمعركة فقال له أحد المنجمين: يجب أن تجعل سيرك على ثلاث ساعات مضين من النهار لكي تنتصر، فما كان من الإمام علي إلا أن عنفه تعنيفا شديدا، وضرب بكلامه عرض الحائط، وانتصر بالرغم من أنه لم يصغ للمنجم، هل هذه القصة صحيحة أم لا؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فوقوع بعض ما يخبر بها الكهنة والعرافون والمنجمون لا يعني أنهم صادقون! فإن الكذاب قد يصدق أحيانا، وإن كان الكذب من شأنه، وكذلك لا يعني أنهم يعلمون الغيب، وإنما تخبرهم شياطينهم من مسترقي السمع بما سمعوه من خبر السماء، ومن أجل ذلك يشتبه أمرهم على بعض الناس، وهذا ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ـ ومسترق السمع هكذا، بعضه فوق بعض ـ فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عندهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله ناس عن الكهان فقال: ليس بشيء. فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة، وراجعي لمزيد الفائدة عن ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 17507، 58734، 59672، 152115، 182659.
وأما أثر علي ـ رضي الله عنه ـ فرواه الطبري في تاريخه في قتال الخوارج يوم النهروان، وعنده أن عليا ـ رضي الله عنه ـ لما سار لقتال الخوارج لقيه في مسيره ذلك منجم، أشار عليه بسير وقت من النهار، وقال له: إن سرت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك ضرا شديدا. فخالفه وسار في الوقت الذي نهاه عن السير فيه، فلما فرغ من النهر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال الذين لا يعلمون: سار في الساعة التي أمره بها المنجم فظفر. اهـ.
وإسناده لا يصح؛ فإنه من طريق أبي مخنف عن عطاء بن عجلان، وكلاهما متروك الحديث. واسم أبي مخنف: لوط بن يحيى، قال الذهبي: أخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وَغيره، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن مَعِين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن عَدِي: شيعي محترق صاحب أخبارهم (لسان الميزان 6/ 430)، وأما عطاء بن عجلان الحنفى فقال ابن حجر في (التقريب): متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب. اهـ.
وهذا الأثر ذكره دون إسناد كل من ابن الأثير في (الكامل) وابن كثير في (البداية والنهاية)، ولفظه عنده: فلقيه هنالك منجم فأشار عليه بوقت من النهار يسير فيه ولا يسير في غيره، فإنه يخشى عليه، فخالفه علي فسار على خلاف ما قال فأظفره الله، وقال علي: إنما أردت أن أبين للناس خطأه، وخشيت أن يقول جاهل: إنما ظفر لكونه وافقه. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى): لما أراد علي بن أبي طالب أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين لا تسافر فإن القمر في العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك ـ أو كما قال ـ فقال علي: بل نسافر ثقة بالله، وتوكلا على الله، وتكذيبا لك، فسافر فبورك له في ذلك السفر حتى قتل عامة الخوارج، كان ذلك من أعظم ما سر به. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني