الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح لمن كثرت عليه المصائب ولزمه الحزن

السؤال

كنت شابا سعيدا في حياتي وممتازا في الدراسة، ودائما أبتسم وأضحك، وفجأة انقلبت حياتي وأصبحت تأتيني مصائب ومشاكل، وصرت حزينا لا أضحك، وأريد أن أترك الجامعة، فهل الذي أصابني سحر أم عين؟ وأسألك بالله أن تدعو لي.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يخفف عنك، وأن يذهب همك ويزيل كربك، ويكشف مصائبك، وليس عندنا ما يجزم به في كون هذا سببه السحر أو العين، ولكنا ننصحك أن تصرف عن ذهنك مسألة العين والسحر، وأن تستعين بالله تعالى في حل مشاكلك، فعليك بالالتجاء إلى الله تعالى، والإكثار من دعائه وذكره بالتسبيح والاستغفار والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28 }.

وقال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10 ــ 12 }

وروى أحمد عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً قط هَم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً، قال: فقيل يا رسول الله: ألا نتعلمها؟ فقال بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
وفي الحديث عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وقال الشيخ الألباني: حسن.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: فكم أجعل لك من صلاتي ـ أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي، قاله القارئ، وقال المنذري في الترغيب: معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك. انتهى.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتاب الجواب الكافي: والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحاً، كما قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ـ فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء في الدارين، ونظير هذا قوله تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ـ ونظيرها قوله تعالى: وإن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ـ ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا على الحياة الطيبة في الدارين، فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم على الحقيقة ولا نسبة لنعيم البدن إليه، فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ـ وقال آخر: إنه يمر بالقلب أوقات أقول فيها إن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب ـ وقال الآخر: إن في الدنيا جنة هي في الدنيا كالجنة في الآخرة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ـ وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجنة بقوله: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ـ وقال: وما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ـ ولا تظن أن قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ـ يختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته والعمل على موافقته؟ وهل عيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم... فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد. انتهى.

وقال ـ رحمه الله ـ في موطن آخر: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ـ فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدراً وأسرهم قلباً، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة. انتهى.

وعليك بالحذر من الذنوب، فإنها من الأسباب المباشرة لنزول المصائب وحلول النقم وزوال النعم، فما من مصيبة تنزل بالعبد إلا بكسبه وما جنت يداه، كما قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ {آل عمران:165}.

وقال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى:30}.

وقال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{لأنفال:53}.

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه المنذري، وحسنه العراقي والبوصيري والأرنؤوط.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني