الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

نحن ثلاثة شركاء في مشروع مكتبِة ـ محل لبيع الأدوات والكتب المدرسية ـ ورأس ماله يقرب من ثلاثين ألف دينار، ونصيب كل واحد منا في رأس المال وفي الأرباح الثلث، فقمت بتمويل المشروع كاملا على أن يقوم الشريكان بسداد دينهما لي لاحقا، وهو قرض حسن ـ عشرة آلاف دينار لكل واحد منهما ـ لكن كان هناك اتفاق بيننا أن أوفر التمويل للمشروع ويتحمل الشريكان العمل في المشروع نظرا لتوفر الوقت الكافي لديهما، بخلافي، علما بأنني أحيانا أساهم معهما في إدارة المشروع بالأفكار والعمل كلما وجدت فرصة لذلك، والشريكان يقومان بسداد دينهما من ريع المشروع، فهل في مثل هذه المعاملة من مؤاخذات شرعية؟ وهل هذا القرض يعتبر ربويا، لأنه جر لي نفعا وهو إعفائي المبدئي من العمل في المشروع؟ وإذا كان ذلك كذلك، فما هو الحل الشرعي، علما بأنني اقترحت على الشريكين أن يكون لهما راتب مقابل العمل في المشروع بعد سداد دينهما، ولكنهما رفضا مبدئيا ـ على أن نناقش الموضوع مرة أخرى؟ وإذا كان الأمر منافيا للشرع، فما حكم ما أسديه أحيانا من عمل من فكري وجسدي في المشروع؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحقيقة الاتفاق الذي حصل بينكم هو اشتراط المقرض على المقترض منفعة، وهي ـ هنا ـ إعفاء صاحب القرض من العمل مقابل تحمل شريكيه القيام به، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، وذلك غير جائز، وهل يفسد به القرض وبالتالي تفسد هذه الشركة أم لا؟ خلاف عند أهل العلم وانظر الفتوى رقم: 32478.

قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفا، ويأذن أحدهما للآخر في التجارة بهما، فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف جاز، لأنه مضارب لصاحبه في ألف، ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف، وإن شرطا له دون نصف الربح لم يجز لأن الربح يستحق بمال وعمل، وهذا الجزء الزائد على النصف المشروط لغير العامل لا مقابل له، فبطل شرطه، وإن جعلا الربح بينهما نصفين، فليس هذا شركة، ولا مضاربة، لأن شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل والمضاربة تقتضي أن للعامل نصيبا من الربح في مقابلة عمله، ولم يجعلا له هاهنا في مقابلة عمله شيئا، وإنما جعلا الربح على قدر المالين، وعمله في نصيب صاحبه تبرع، فيكون ذلك إبضاعا، وهو جائز إن لم يكن ذلك عوضا عن قرض، فإن كان العامل اقترض الألف أو بعضها من صاحبه، لم يجز، لأنه جعل عمله في مال صاحبه عوضا عن قرضه وذلك غير جائز. انتهى.

وكذلك، فهذا الشرط ـ وهو أن يقرضهما على أن يعفى من العمل ـ يعود على الربح بالجهالة، إذ لولا القرض لكان ربح الشريكين أكثر من ربح شريكهما صاحب القرض، لأنهما تساويا معه في قدر المال وزادا عليه بعملهما، فلما تساوى الثلاثة في الربح بسبب هذا القرض جهل قدر الربح الزائد لهما، فكان شرطا فاسدا مفسدا للعقد لجهالة الربح، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود بجهالة الربح، فسدت المضاربة، لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه، فأفسد العقد، كما لو جعل رأس المال خمرا أو خنزيرا، ولأن الجهالة تمنع من التسليم، فتفضي إلى التنازع والاختلاف، ولا يعلم ما يدفعه إلى المضارب. انتهى.

وقال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في الفروع: فَإِنْ شَرَطَا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا رِبْحًا مَجْهُولًا أَوْ مِثْلَ مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ، أَوْ مَعْلُومًا وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ إلَّا دِرْهَمًا، أَوْ رِبْحَ نِصْفِهِ، أَوْ قَدْر مَعْلُومٍ، أَوْ سُفْرَةٍ، أَوْ عَامٍ، أَوْ أَهْمَلَاهُ، فَسَدَ الْعَقْدُ. انتهى.

وعليه، فتكون هذه المكتبة كلها ملكا لصاحب المال الممول للمشروع، فله الربح كله في حالة حصوله، وعليه الخسارة كلها في حالة حصولها، وللآخرينِ أجرة المثل مدة عملهما في قول جمهور أهل العلم، وقيل: لهما قراض مثلهما، وراجع تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 72779، ورقم: 111927.

وما اقترحته على شريكيك من أن يكون لهما راتب مقابل العمل في المشروع بعد إتمام تسديد دينهما لا يصحح الشركة بينكم، وأما عملك في المشروع: فهو تبرع، إذ لم يقع عليه عقد أو شرط، فلا يحق لك شيء على عملك، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 77349، ورقم: 19603.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني