الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يتوقف وقوع الطلاق على إخبار الغير به، أو كونه عند مأذون

السؤال

تصرُّ الزوجة على إحضار سيدة كل فترة لأعمال نظافة البيت، ورفضت ذلك لأنها تطلب مني ترك البيت طول النهار، حتى تنتهي من التنظيف، وأمام إصرار الزوجة وافقت.
في آخر مرة حضرت للتنظيف كسرت الشباك، على الرغم من توصيتي لها بأن تحافظ عليه، وتأكيدي على ذلك، وعرفت ذلك بعدما انصرفت السيدة بعد أن نظفت، فغضبت بشدة، لكني أمسكت نفسي حتى لا أتلفظ بشيء، ووضعت علامة ألا أقول أي شيء؛ لأني موسوِس في الطلاق، لكن الغضبَ، وحديثَ النفس، يضغطان عليّ بأن أمنعها من إحضار السيدة، وأخذتْ نفسي تحدثني: قل لها: "عليّ الطلاق ما تحضر هذه المرأة مرة أخرى هنا".
وقلت: "طالما أنه تفكير داخلي، وهذا التفكير لا يزول، فاتركه في نفسك، ولا يهمُّ، فالغضب شديد، ولا أستطيع دفع هذه الأفكار، المهم: أن أظلّ مغلِقًا فمي، وقل ما شئت في نفسك" وظلّ هذا التفكير في نفسي مدة، ومن شدة الغضب أحسست أني نطقت، وقلت: "عليّ الطلاق ما تحضر هذه المرأة مرة أخرى هنا" يعني نتيجة الغضب فعلًا قلت: "عليّ الطلاق ما تحضر هذه المرأة مرة أخرى هنا" ففزعت؛ ولم تكن الزوجة في الغرفة، ولا الطفل الصغير، أو كانا بعيدين لم يسمعا شيئًا، وهي لم تعرف.
بعدها فكرت؛ هل فعلًا غضبت ونطقت عن عمد؟ أم ربما لم أتكلم، وكله داخلي، وشككت أن أكون سمعت، والله لم أعرف، يعني لعله لم يخرج شيء من فمي، وسألت نفسي: لعله خرج دون إرادة النطق؛ لأنك لو كنت تريد لذهبت وقلت لها، لكن حدث ذلك بسرعة، وفي وقت قصير؛ لأني كنت عصبيًا، وكنت غضبان فغلب على ظني أني قلت، ويغلب على ظني بدرجة كبيرة أني قلت، لكني غير متأكد.
1-أنا موسوس، فهل لي أن أعمل بقول أحد الشيوخ: "طالما الموسوِس لم يخبر أحدًا فيعدّ حديثَ نفس، ولا يقع طلاق" أم لا يصح ذلك في الطلاق المعلق؟
2-الزوجة في النفاس، هل عند ابن تيمية لا يقع الطلاق في النفاس؟ هل ينطبق ذلك على الطلاق المعلَّق لأنه بدعي؟ أم يقع لو حضرت السيدة للتنظيف، سواء كانت زوجتي نفساء أم حائضًا أم طاهرة؟
3-هل أعمل بفتوى دار الإفتاء عندما أخبرتهم أني موسوِس فقال لي المفتي: "ليس لك طلاق إلا عند مأذون"؟
أنا كنت غضبان، ودائمًا أنا موسوِس في الطلاق؛ وذلك جعلني أفكر في نفسي بعيدًا عنها، أي أن النية غالبًا طلاق، وليست تهديدًا حتى أكفِّر كفارة يمين، والآن هي تصرّ على إحضارها، ولا أستطيع منعها، هل من مخرَج حتى لا يقع الطلاق؟ لأني متأكد أني قلت، لكن عندي شك بسيط أنه قد يكون خرج دون إرادة من شدة الانفعال، أو لعلي لم أسمع شيئًا، أو سرحت في التفكير، ومن شدة الغضب خرج.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت متيقنًا من تلفظك بيمين الطلاق مختارًا، فإنّك إذا حنثت وقع طلاقك على القول المفتى به عندنا في الطلاق المعلق، وسواء حصل المعلق عليه والزوجة نفساء، أم حائض، أم طاهر.

ولا يتوقف وقوع الطلاق على إخبار الغير به، أو كونه عند مأذون، والموسوس كغيره في هذه الأحكام، طالما طلّق مدركًا مختارًا، لكن المسائل التي اختلف فيها أهل العلم لا حرج على الشخص في العمل فيها بقول بعض العلماء، ما دام مطمئنًا إلى قوله، وليس متبعًا لهواه، أو متلقطًا للرخص، وانظر الفتوى رقم: 5583، والفتوى رقم: 241789.

أما إذا كنت غير متيقن من التلفظ باليمين، أو كنت شاكًّا في تلفظك به بغير اختيار، فلا يقع الطلاق بحنثك فيه؛ لأنّ الأصل بقاء النكاح، فلا يزول بالشك، قال الرحيباني الحنبلي -رحمه الله-: "(وَهُوَ) أَيْ: الشَّكُّ لُغَةً ضِدُّ الْيَقِينِ، وَاصْطِلَاحًا: تَرَدُّدٌ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمُرَادُ (هُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ) بَيْنَ وُجُودِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ عَدَدِهِ، أَوْ شَرْطِهِ، وَعَدَمِهِ؛ فَيَدْخُلُ فِيهِ الظَّنُّ وَالْوَهْمُ، وَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ لِشَكٍّ فِيهِ، أَوْ شَكٍّ فِيمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ".

وننصحك أن تعرض عن الوساوس، ولا تلتفت إليها، فإنّ مجاراة الوساوس تفضي إلى شر وبلاء، والإعراض عنها خير دواء لها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني