الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب اجتهاد الإمام البخاري في ترك الدعاء

السؤال

نقل أن البخاري ما كان يدعو بدعاء لشيء من أشياء الدنيا إلا ويستجيب الله له، ثم إنه قرر ترك الدعاء بشيء من حوائج الدنيا حتى لا تعجل له الإجابة في الدنيا وتنقص حسناته، فهل هذا الفعل يعارض قول الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرت عن الإمام البخاري جاء ما يشبهه في سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي قال: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ، أَوْ جرَّبْت؟ قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مرَّتينِ فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا. ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!
وذكر بعد هذه القصة أنه رحمه الله قال: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
فهو لم يترك دعاء الله، وإنما ترك سؤاله الأمور الدنيوية المباحة، وذلك ورعا منه وزهدا، كما كان بعض السلف الصالح يتركون بعض المباحات ورعا وزهدا، وكما في عدم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدنيا لأمته، ففي الصحيحين من حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ في حديث طويل قال: فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: استغفر لي يا رسول الله... الحديث.
ولعل ترك البخاري لسؤال الله تعالى أمور الدنيا ـ إن صح عنه ـ هو من هذا القبيل، واستئناسا بعدم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم التوسعة في الدنيا مع أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أكثر الناس دعاء، فلا تعارض إذاً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني