الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية رد المال المأخوذ بغير حق إلى أصحابه

السؤال

يا فضيلة الشيخ إن قصتي طويلة، أعطاك الله تعالى صبرا حتى تتمكن من إجابة أسئلتي، وكلها متعلقة بحق الناس عليّ، ولكنها معقدة.
فسبق لي أن كنت شابا غافلا عن ذكر الله وطاعته، بالرغم من أني كنت أصلي على نحو متقطع، على كل حال ـ الحمد لله ـ الآن تبت إلى الله عز وجل، عسى الله أن يغفر ذنوبي ويتقبل توبتي، ولكن ما يؤلمني و يؤذيني هو حق الناس عليَّ، لا أعرف كيف أردّه إليهم، فواقع حالي هو كالتالي:
كان لدينا محل لبيع السلع في التسعينيات، وكنت أنا ووالدي وأخي الكبير نشتغل فيه، كنت في سنّ الثانية عشر إلى الخامسة عشر آنذاك، أنا وأخي الكبير كنّا نأخذ المال بدون علم والدنا، وهو يعلم أننا نفعل ذلك، ولكن لم يعلم بكمية المال الذي كنّا نأخذه، فكنت أنا أصرف المال في ملابس الرياضة والأكل مع الأصدقاء، وكنت أدفع لهم حق الأكل في المطاعم. فلا أعرف كم من المال أخذته بدون علم أبي، ولا أعلم بالتأكيد إن كنت قد بلغت الخامسة عشر من السن أم لا؟ وأيضا بخصوص حق والدى حينما كبرت وذهبت إلى الجامعة كان والدي يعمل سائقا للتاكسي وكان في سيارته بعض النقود، كنت آخذ دينارين من حين لآخر حتى هو سأل من يأخذ المال كل يوم، فأنا حلفت بأنه لست أنا؛ لأن الموقف كان حرجا جدا، ووالدنا علم أن واحدا من الأبناء يأخذ النقود.
وأما بخصوص أخي الكبير فهو كان يأخذ المال من المحل بدون علم أبي مثلي، وهو قد جمع مبلغا كبيرا داخل خزانته الخاصة، وأنا كنت أسرق من خزانته يوميا عشرة دنانير أو أكثر من ذلك حتى أصبح المبلغ حوالي ألف دينار عراقية آنذاك، فهو علم به، ولكن حدث بالمسألة في المنزل، وكان أهل البيت يناقشون الموضوع، ولكن لم أتجرأ بأن أقول أنا كنت السارق (يا ليتني قلتها آنذاك)، ولا أعلم بالتأكيد إذا كنت قد بلغت الخامسة عشر أم كنت أصغر؟ ولكن أعلم بالتأكيد أنني لم أتجاوز الخامسة عشر.
فالآن أنا أواجه صعوبة كبيرة في مواجهة والدي وأخي وإخبارهما بالموضوع؛ لأن الموقف سيكون حرجا جدا، وحتى إن فعلت لا أعرف كم من المال كنت أخذت من خزانة المحل، وإني متأكد تماما بأن والدي قد يسمح لي وأخي أيضا، ولن يقبلوا مني أي مال؛ لأنهما أغنى مني، وتربطنا علاقة عائلية قوية وحميمة الحمد لله.
هل يجوز لي أن أتصدّق بمبلغ تقريبي مثلا ألف دولار لوالدي ومائتي دولار لأخي، وأعطيها للمسجد ليكون صدقة جارية لهما ولن أبلغهما بالمسألة، لأنني أفكر أحيانا أن الله عز وجل ستر هذا الأمر لأكثر من عشرين سنة ربما يكون فيه شيء.
وقد حدث لي أن عملت في فرع شركة عالمية في السنوات السابقة في العراق، وكنت قد تقدمت بقائمة المصروفات حيث لم تمثل المصروفات الحقيقية، وكان المجموع خمسمائة وستين دولارا أمريكيا، وأعرف أن معظم هذا المصاريف لم يكن حقيقيا.
وآخر حادث لي كنت أعمل لدائرة حكومية فعينوني رئيسا للجنة المشتريات، وحينما اشترينا ثماني كومبيوترات ذهبنا إلى المطعم (مع ثلاثة زملاء) وأكلنا الغداء معا (بخمسين دولارا) وحسبناها على أسعار الكومبيوترات.
وأما بالنسبة للشركة، فإني أحاول بذل قصارى جهدي في البحث عن شخص يهمه هذا الأمر، وأنا مستعد أن أرجع خمسمائة وستين دولارا بكاملها، ولكن أمر شبه مستحيل لأن كثيرا من الأحيان لا يستمع أحد لي، ولم يُرَدّ على مراسلاتي عندما حاولت الاتصال بهم عبر البريد الإلكتروني، والتي هي الطريقة الوحيدة.
وأنا أيضا مستعد أن أرجع خمسين دولارا للدائرة، ولكن هناك مدير عام آخر مسؤول عن الدائرة، ومشكلة أخرى أنا الآن خارج الوطن ولا أستطيع أن أرجع ربما لسنة أخرى أو أكثر، فأخاف أن يحدث لي شيء قبل أن أردّ حق هؤلاء الناس علىّ.
فيا فضيلة الشيخ أرجو أن تنصحني بما تراه الصواب.
وإن شاء الله يعينني الله عز وجل بفعل ما هو الصواب.
وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبالنسبة لما أخذته من مال أبيك، فسواء كان ذلك قبل البلوغ أم بعده فيجب عليك رده، وإنما الفارق بين البالغ وغيره في الإثم، لا في رد الحقوق، وانظر الفتوى رقم: 132477.
وعلى ذلك يلزمك تقدير ما أخذته فترد إليه ما يغلب على ظنك أنه مبرئ لذمتك، إلا أن يسامحك أبوك بالفعل لا بالظن.
كما لا يشترط أن تعلمه بما فعلت، وإنما يكفيك إيصال المبلغ إليه تحت أي مسمى ولو بطريق غير مباشر. وانظر الفتويين: 21859، 117637.
وأما التصدق بالمال عنه فلا يبرئ ذمتك والحال ما ذكر، وإنما يجزئ في حالة جهل صاحب المال أوعدم المقدرة على إيصال المال إليه، وانظر الفتوى رقم: 58530.
وراجع بشأن كفارة اليمين الكاذبة فتوانا رقم: 110773.
وأما ما أخذته من خزانة أخيك، فإنما هو مال الأب أصلا، فيلزمك إيصاله إلى أبيك على ما سبق توضيحه.

وأما بالنسبة للدائرة الحكومية فإن كانت لا تسمح لك بالأكل على نفقتها فيلزمك رد المبلغ المذكور إليها تحت أي مسمى وبأي وسيلة مناسبة، وبغض النظر عن شخص المدير القائم عليها؛ فإنك قد أخذت المال من ميزانيتها لا من جيبه الخاص، وانظر الفتوى رقم: 59988.
وكذلك يلزمك رد تكاليف المصروفات الوهمية إلى الشركة المذكورة ولو بتحويلها إلى حسابها تحت أي مسمى، فإن عجزت فيلزمك صرفها في المصالح العامة ووجوه البر، وانظر الفتوى رقم: 117568.
ويمكنك إبراء ذمتك بدون العودة إلى وطنك، وذلك باستخدام الحوالات أو بتوكيل من يقوم عنك بذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني