الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحلف على القرآن الكريم كذبًا لفعل الخير

السؤال

هل يحرم الحلف على القرآن الكريم كذبًا لفعل الخير (أي: لتجنب قتل شخص، أو مشكلة كبيرة مثل: مشكلة الشرف)؟
وسؤال آخر: هل فعل المعصية مرات عديدة، والتوبة بعدها، والرجوع إليها مرة أخرى تجعل الشخص منافقًا؟
وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكذب محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وإذا أكد بالحلف، ووضع اليد على المصحف كان ذلك أشد، ولذا؛ فالواجب على المسلم اجتناب ذلك ما أمكن، إلا إذا كانت في الكذب مصلحة شرعية لا تتحقق إلا بالحلف، فيجوز حينئذ، كما بيناه في الفتوى رقم: 7432. ومن المصالح المعتبرة شرعًا: الكذب لدفع الأذى عن المسلم، ومن ذلك: دفع القتل عنه، أو ما يمس عرضه وشرفه، ولكن لا يجوز له الكذب ما دام يستطيع الدفع عنه بالتورية والتعريض، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 37533. قال النووي -رحمه الله تعالى-: والكذب واجب إن كان المقصود واجبا، فإذا اختفى مسلم من ظالم، وسأل عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا... إلى أن قال: ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ويُوَرّي في يمينه، فإن حلف ولم يورِّ حنث على الأصل، وقيل: لا يحنث. اهـ. وفي مجموع الفتاوى للشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: ومعلوم أن الكذب حرام, وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريما, لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك; لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنها-, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا أو ينمي خيرًا. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس, والحرب, وحديث الرجل امرأته, وحديث المرأة زوجها" رواه مسلم في الصحيح. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 39551، والفتوى رقم: 100256.

وأما معاودة الذنب بعد التوبة: فلا يقدح في صدق التوبة عند الأكثرين. قال ابن القيم -رحمه الله-: هل يشترط في صحتها(يعني: التوبة): أن لا يعود إلى الذنب أبدا؟ أم ليس ذلك بشرط؟ فشرط بعض الناس عدم معاودة الذنب، وقال: متى عاد إليه تبين أن التوبة كانت باطلة غير صحيحة. والأكثرون على أن ذلك ليس بشرط، وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم الجازم على ترك معاودته، فإن كانت في حق آدمي: فهل يشترط تحلله؟ فيه تفصيل ... فإذا عاوده مع عزمه حال التوبة على أن لا يعاوده صار كمن ابتدأ المعصية، ولم تبطل توبته المتقدمة. (مدارج السالكين).

وأما من يتوب، أو يستغفر من الذنب، وهو ينوي معاودته، والرجوع إليه، ويعزم على ذلك، فهذا استغفاره لا يجدي، وتوبته غير صحيحة، وهذا حال المنافقين، كما قال أبو العباس القرطبي في (المفهم): فأما الاستغفار مع الإصرار فحال المنافقين والأشرار، وهو جدير بالرد وتكثير الأوزار، وقد قال بعض العارفين: الاستغفار باللسان توبة الكذابين. اهـ. وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 111852، 112268.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني