الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دخول الحمامات التي تكشف فيها العورات

السؤال

أريد الفتوى فيما يخص ذهابي إلى حمام فيه نساء؛ فأنا أعيش في الجزائر، ولكن الحمامات عندنا فيها نساء، أكثرهن يغتسلن عاريات الجسد، وأكثرهن يحلقن عوراتهن في الحمام أمام الأنظار بلا تحفظ أو ستر العورات، فما حكم ذلك أمام النساء؟ وما حكم الذهاب إلى هذه الحمامات؟
لا أستطيع غض البصر لكثرتهن، ومرورهن أمامي، إضافة إلى كشف النوافذ الخارجية من بعض الحمامات التي أذهب إليها، بحيث يرى السكنات المقابلة له، فما الحل -أثابكم الله- إذا لم يتوفر الجو الساخن في البيت، والماء الساخن، خاصة في فصلي الشتاء والربيع؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أولًا: أن العلماء اختلفوا في حكم دخول المرأة الحمام؛ فمنهم من قال بالتحريم، ومنهم من قال بالكراهة، واستثنوا حال الحاجة، فإذا وجدت الحاجة جاز للمرأة دخول الحمام بلا كراهة، لكن شرط الجواز: الأمن من مواقعة محظور؛ ككشف العورات أو الاطلاع عليها.

وعليه؛ فإنما يباح لك دخول الحمام مع العذر، وأمن انكشاف العورات، والنظر إليها، قال في كشاف القناع: وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَادْخُلْهُ، وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلْ (وَلِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ) أَيْ: الْحَمَّامِ (بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ) بِأَنْ تَسْلَمَ مِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَمَسِّهَا، وَمِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَتِهَا، وَمَسِّهَا (وَبِوُجُودِ عُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ جَنَابَةٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ حَاجَةٍ إلَى الْغُسْلِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ، وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» . وَقَوْلُهُ (وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِي بَيْتِهَا لِخَوْفِهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ نُزُولِهِ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَالْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عُذْرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (حَرُمَ) عَلَيْهَا دُخُولُهُ (نَصًّا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرَيْنِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اعْتَادَتْ الْحَمَّامَ وَشَقَّ عَلَيْهَا تَرْكُ دُخُولِهِ إلَّا لِعُذْرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دخوله. انتهى. وفي مواهب الجليل: وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَقَدْ ذَاعَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَسْتَتِرْنَ إلَّا الْقَلِيلَ، وَذَلِكَ الْقَلِيلُ يَرَى عَوْرَةَ غَيْرِهِ، فَأَرَاهُ الْيَوْمَ مَجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ إلَّا أَنْ يَخْلُوَ لَهَا أَوْ تَكُونَ مَعَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا. انتهى.

وعليه؛ فينبغي لك أن تحتاطي فتدعي دخول الحمامات، حيث لا يمكنك دخولها من غير التلبس برؤية المنكرات، وليس يشق عليك -إن شاء الله- مع الاجتهاد أن تغتسلي في بيتك إن لم تجدي حمامًا يخلو من تلك المنكرات، ومن يتق الله يجعل له مخرجا. وسهل بعض أهل العلم في دخول الحمامات مع كثرة المنكرات، ومشقة الاحتراز منها، ووجود الحاجة لدخولها بشرط: الاجتهاد في تجنب المنكر ما أمكن، وإنكاره قدر الطاقة؛ قال في التاج والإكليل: فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَمَّامُ دَارٌ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْمُنْكَرُ، وَدُخُولُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَقْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا؟ قُلْنَا: الْحَمَّامُ مَوْضِعُ تَدَاوٍ, وَتَطَهُّرٍ, فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ فَإِنَّ الْمُنْكَرَ قَدْ غَلَبَ فِيهِ بِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَبِظَاهِرِ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْمَرْءُ دَخَلَهُ، وَدَفَعَ الْمُنْكَرَ عَنْ بَصَرِهِ وَسَمْعِهِ مَا أَمْكَنَهُ, وَالْمُنْكَرُ الْيَوْمَ فِي الْبُلْدَانِ، فَالْحَمَّامُ كَالْبَلَدِ عُمُومًا، وَكَالنَّهْرِ خُصُوصًا. وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنْكَرَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْكَارِ كَرِهَ بِقَلْبِهِ، فَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنْ الْعَوْرَاتِ مَا اسْتَطَاعَ. انتهى.

والحاصل: أنه لا ينبغي لك دخول الحمام عند الاستغناء عن ذلك مطلقًا، وإذا احتجت لدخوله، فلا ينبغي لك دخوله إلا حيث أمنت انكشاف العورة أو الاطلاع على العورات المكشوفة، ولكن إذا تضررت بعدم دخوله، فنرجو أن يكون لك سعة في دخوله على أن تنكري المنكر ما أمكنك، وتغضي بصرك قدر الطاقة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني