الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطريق إلى تعظيم القرآن والتأثر به

السؤال

أشعر بعد حفظ ومدارسة سورة من القرآن بضعف تعظيمي لها، مقارنة بحالي قبل الحفظ، فهل هذا الشعور صحيح أم أن تعظيمي السابق لها كان وهميًّا -من جهة تعظيم المجهول-؟
وكيف أزيد درجة تعظيمي للقرآن بعد حفظه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا أجمعين.

وقد وفقك الله لتدبر حال قلبك مع زيادة العمل الصالح، وهذه نعمة عظيمة؛ أن ينتبه العبد إلى مدى تأثر قلبه بالأعمال الصالحة. وقد بينا بالفتوى رقم: 31173 بعض أسباب التأثر بالقرآن الكريم.

ولا نستطيع أن نحكم على ما بداخلك، هل هو وهم أم حقيقة؟ ولكن الذي يمكننا هو أن نحاول أن نلفت نظرك لبعض الأسباب المعينة على التعظيم:

يقول الغزالي في الإحياء-الآداب الباطنة لقراءة القرآن-: الثاني: التعظيم للمتكلم؛ فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كلام الله -عز وجل- غاية الخطر؛ فإنه تعالى قال: {لا يمسه إلا المطهرون}، وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهرا، فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرا عن كل رجس، ومستنيرا بنور التعظيم، والتوقير، وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد، فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه كل قلب، ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشي عليه، ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي. فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم، ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في صفاته، وجلاله، وأفعاله، فإذا حضر بباله العرش، والكرسي، والسموات، والأرض، وما بينهما من الجن، والإنس, والدواب, والأشجار, وعلم أن الخالق لجميعها, والقادر عليها, والرازق لها, واحد, وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ورحمته, وبين نقمته وسطوته, إن أنعم فبفضله, وإن عاقب فبعدله, وأنه الذي يقول: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي, وهؤلاء إلى النار ولا أبالي. وهذا غاية العظمة والتعالي, فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم, ثم تعظيم الكلام. انتهى.
ويمكنك مراجعة فصل آداب تلاوة القرآن من الإحياء، ففيه فوائد جمة.

وقد يكون ما ذكرت من تعظيمك للسورة قبل حفظها صحيحًا، من جهة أنك ظننت أنك سترى من عجائب السورة ما يُبهرك، فلما حفظتها لم يحصل لك ذلك، وعلاج هذا: أن تقرأ عن مقاصد السورة، ومبانيها، ومعانيها؛ فلقلة علمنا بالعربية، وأقوال السلف في التفسير، يفوتنا أشياء كثيرة من عجائب السورة، فإذا قرأ المرء عن معانيها، ومقاصدها، عرف عظمتها، وانظر على سبيل المثال: تفسير سورة العلق لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وتفسير ابن كثير، وابن عطية، وابن عاشور، والسعدي، وغيرها.

فالمشكلة حصلت من قصور فهمك، لا من السورة؛

لا تسئ بالعلم ظنا يا فتى إن سوء الظن بالعلم عطب

واجعل ديدنك: الدعاء العظيم الذي رواه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله -عز وجل- همه، وأبدله مكانه فرجًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني