الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ما سرقته البنت من بيت أبيها ظانة أنه حق لها

السؤال

كنت أعمل قبل زواجي, وتركت مبلغا ماليا، وأجهزة كهربائية في منزل والدي, وتزوجت من شخص يمشي على كرسي متحرك، ونعيش على معاش والدته, ونحتاج للمال.
أختي الصغرى تزوجت من شاب يعمل, ولديه مال.
أمي فرقت بيننا، وأحضرت لها الكثير في زواجها بحجة العادات والتقاليد التي عند أهل زوج أختي، فغضبت لأني تركت مبلغا ماليا, وأجهزة كهربائية في البيت, فسرقت بقدر ما تركت, وبقدر ما صرفت أمي على أختي, ولم تصرف عليّ, لأنها ظلمتني, ولم تسوي بيني وبين أختي
ولن أستطيع أخذ حقي إلا بسرقته، فهل هذا حقي أم هذا حرام؟ للعلم هي تصرف على أختي بعد زواجها باللبس أو بالطعام, أما أنا فلا.
زوجي مات, وقد كان يقول لي: أنت لا تسرقين, هذا حقك. فهل هذا حقا ليس بسرقة, وهو حقي؟
السؤال الثاني: هل هذا دين على زوجي؟
زوجي مات, وترك لي ورثا بقدر ما سرقت وأخذت من أمي, فهل أتركه لأمي مكان ما أخذت من مال؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تركت المال والأجهزة الكهربائية في بيت أمّك على سبيل الهبة والصلة، فلا حقّ لك في الرجوع في شيء من ذلك، لأن الرجوع في الهبة غير جائز؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَحِلُّ لأحدٍ أَنْ يُعْطِىَ عَطِيَّةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِى وَلَدَهُ.." ( رواه الترمذي)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» رواه مسلم.

وأما إن كنت دفعت لهم شيئا من ذلك على سبيل القرض, أو الوديعة, أو العاريّة، فلك الرجوع بمثل القرض, وعين الوديعة, والعاريّة إن كانت باقية، وليس لك أن تأخذي من مال والديك دون علمهم مقابل ما تركتيه في بيتهم، إلا إذا ثبت أنّ لك حقا، كبدل القرض، أو الوديعة، أو العارية، ولم تتمكني من أخذه إلا بهذه الوسيلة، فقد أجازه بعض العلماء بشروط بيناها في الفتوى رقم: 28871.
وبخصوص تجهيز أمّك لأختك عند زواجها: فإن كانت جهزتها بما تحتاجه بالمعروف، فليس ذلك من التفضيل المنهي عنه في عطية الأولاد؛ لأنّه يكون من باب النفقة, فيختلف باختلاف الأحوال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه على التسوية بين الأولاد، وتفريقه بين ما كان من باب النفقة، وما كان من النحل والعطايا: " ..أن ينفرد أَحَدُهُمَا بِحَاجَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، مِثْلُ: أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَحَدِهِمَا دَيْنًا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ, أَوْ يُعْطِيَ عَنْهُ الْمَهْرَ, أَوْ يُعْطِيَهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ, وَنَحْوَ ذَلِكَ, فَفِي وُجُوبِ إعْطَاءِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ نَظَرٌ, وَتَجْهِيزُ الْبَنَاتِ بِالنِّحَلِ أَشْبَهُ, وَقَدْ يُلْحَقُ بِهَذَا, وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: أَنَّهُ يَكُونُ بِالْمَعْرُوفِ, فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَهُوَ مِنْ بَابِ النِّحَلِ" الفتاوى الكبرى - (5 / 436)
وعلى فرض أنّ الأمّ فضلت أختك في تجهيزها, فليس لك أن تأخذي من مال أمّك دون علمها، فإنّ التسوية بين الأولاد قد تكون برد التفضيل، قال ابن قدامة -رحمه الله- : "فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم فيها أثم, ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض, وإما إتمام نصيب الآخر" المغني - (6 / 298)
وعليه؛ فالواجب عليك ردّ هذا المال الذي أخذتِه من بيت والديك بغير حق، وليس هذا دين على زوجك -رحمه الله-, ولكنه دين عليك تردينه من مالك، سواء كان من نصيبك من ميراث زوجك أو غيره من المال الذي تملكينه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني