الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الابن مأمور بطاعة والديه طاعة مطلقة

السؤال

يا أخي أنا حلمي أن أدخل الجيش، ولكن أمي ترفض وتقول: إنها لن ترضى علي إذا دخلت الجيش.
طيب أنا تعبت عمري كله بالدراسة حتى وصلت إلى الجامعة، والآن أريد أن أحقق حلمي، وأمي لا ترضى، هل الإسلام يقوم على أن الأهل من يحدد مستقبل الأبناء؟ هل هذا هو الإسلام الذي يعطي الحرية للفرد؟
أقسم بالله ـ وعفواً على هذه الكلمة ـ أني كرهت الإسلام؛ لأن كل شيء أفعله يجب أن يجدوا بأن الإسلام حرمه إذا الأم أو الأب لم يوافقوا علي.
باختصار إذا ذهبت إلى العسكرية بعدم رضى الأم أو الأب يجوز أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقبل الجواب عن سؤالك لابد من الوقوف مع كلمتك التي قلت، فلرب كلمة ينجو بها العبد أو يهلك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري.
ولا يجتمع الإيمان وكره الإسلام في قلب واحد، بل كره بعض الإسلام موجب لحبوط العمل! قال الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:9}، ولذلك ذكر أهل العلم في نواقض الإسلام: بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به! فاستغفر الله تعالى وتب إليه، واستعذ به سبحانه من شر نفسك وشر الشيطان وشركه.
ثم اعلم ـ غفر الله لك ـ أن من محاسن الشريعة: مراعاة حقوق الوالدين وفرض برهما والإحسان إليهما، فإن هذا هو الجزاء العادل لعظيم صنيعهما بولدهما، هذا مع ما عرف بالعادة من أن الوالدين لا يأمران ولديهما إلا بما يريانه أنفع له وأصلح، ورأيهما غالباً أقرب للسداد من رأيه؛ بحكم السن والخبرة والتجرية، قال الدهلوي في (حجة الله البالغة): أوجبت حاجة الأولاد إلى الآباء، وحدبهم عليهم بالطبع، أن يكون تمرين الأولاد على ما ينفعهم فطرة، وأوجب تقدم الآباء عليهم، فلم يكبروا إلا والآباء أكثر عقلا وتجربة، مع ما يوجبه صحة الأخلاق من مقابلة الإحسان بالإحسان، وقد قاسوا في تربيتهم ما لا حاجة إلى شرحه أن يكون بر الوالدين سنة لازمة. اهـ.
ومع ذلك فقد أتت الأحكام الشرعية مراعية للمسألة من جميع جوانبها، فلم تفرض طاعة أمر الوالدين طاعة مطلقة، بل راعت جانب الولد وحاجته وظروفه، فلابد أن يكون لهما غرض صحيح في الأمر، وأن لا يكون فيه ضرر على الولد، بخلاف المشقة فإنها تحتمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 76303.
وليعلم السائل أن الخوف المعتبر على الولد من الحاجات والأغراض الصحيحة، فإن منعاه من شيء خوفا من موته أو فقده أو تلف عضوه، لزمه طاعتهما، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 222391. قال الإمام الشافعي في (الأم): للوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال؛ للشفقة على الولد والرقة عليه، وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما، فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال، ولا يبرأ منه بوجه، وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما. اهـ.
وقد ذكر أهل العلم من صور العقوق المحرم: مخالفة الأمر أو النهي فيما يدخل فيه الخوف على الولد من فوات نفسه أو عضو من أعضائه في غير الجهاد الواجب عليه، أو مخالفتهما في سفر يشق عليهما وليس بفرض على الولد، أو في غيبة طويلة فيما ليس لطلب علم نافع أو كسب، كما في (سبل السلام) للصنعاني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني