الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينتفع الابن بمال أبيه إذا كان بعضه مكتسبا من الحرام

السؤال

أنا شاب عمري 18 سنة، أبي -هداه الله- كثير الكذب؛ فهو يباشر الكذب في أي موقف كسبيل لحل الموقف. سؤالي هو: ما حكم تصديق أبي في أمور الطعام، والشراب, واللباس، هل هو من حلال أم من حرام؟ أحب التنويه إلى أن أبي يعمل قاضيا، وقد يتلقى الهدايا أو التخفيضات على الأسعار، وما إلى ذلك. وما حكم تركه ليشتري لي أغراضي؟ وهل أسأل عن كل شيء يحضره معه أم آكل دون السؤال؟ وهل يعتبر الشيء حراما إذا أجابني أبي إنه من حلال، وشرح لي من أين حصل عليه، ثم لم أصدقه لكثرة كذبه؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصاحب المال المختلط: لا تحرم معاملته على الراجح، إلا في عين المال الحرام، فإن علمت عين المال الحرام في كسب أبيك فاجتنبه، وأما ما شككت فيه, فلا يلزمك السؤال، والتفتيش عنه، اعتمادا على أصل السلامة؛ قال شيخ الإسلام: الأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكا له إن ادعى أنه ملكه ... فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا، كنت جاهلا بذلك, والمجهول كالمعدوم ... لكن إن كان ذلك الرجل معروفا بأن في ماله حراما: ترك معاملته ورعا، وإن كان أكثر ماله حراما ففيه نزاع بين العلماء. اهـ.

والراجح كما تقدم هو الكراهة لا الحرمة، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 6880، 65355، 262861، 69330، 104058.

وإذا لم يلزمك السؤال والتفتيش عن مال أبيك، فلست في حاجة إلى السؤال عن حكم تصديقه أم عدم تصديقه. ويتأكد هذا على قول من يقول من أهل العلم: إن المال الحرام بسبب طريقة كسبه لا لذاته، لا يحرم إلا على مكتسبه فقط، كالشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-، فقد سئل عن رجل علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟ فأجاب: الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراما بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص، فلا يجوز أن يأكله ... أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي، أو يعامل بالغش، أو ما يشابه ذلك، فكل، والإثم عليه هو. ودليل هذا: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكل من مال اليهود، وهم معروفون بأخذ الربا، وأكل السحت، وأهدت إليه يهودية شاة في خيبر مسمومة ليموت، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجل مسمى. ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي: دهن متغير الرائحة) فأجابه وأكل، واشترى من يهودي طعاما لأهله، وأكله هو وأهله. فليأكل والإثم على والده. اهـ.

وقد عقد عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه بابًا عن (طعام الأمراء وآكل الربا) أسند فيه عن ابن مسعود أنه جاءه رجل فقال: إن لي جارا يأكل الربا، وإنه لا يزال يدعوني؟ فقال: «مهنؤه لك وإثمه عليه». وعن سلمان الفارسي قال: "إذا كان لك صديق عامل، أو جار عامل، أو ذو قرابة عامل، فأهدى لك هدية أو دعاك إلى طعام، فاقبله، فإن مهنأه لك وإثمه عليه".

وعلى أية حال؛ فإن وقع الوالد في شيء محرم، في كسبه أو غيره، فليس للولد إلا نصحه برفق، ولين، وخفض جناح، وراجع الفتوى رقم: 18800.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني