الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما جرى به القلم واقع ولابد

السؤال

أودّ أن أسأل إذا كان ما يرزقنا الله به من أطفال مقدرا أم أن الدعاء يمكن أن يغير ذلك، بمعنى آخر ما أعطاني إياه الله من أطفال مقدر لي ومكتوب من قبل الزواج كما هو الرزق وساعة الوفاة، سؤالي له علاقه بما حصل معي فأنا لدي بنتان، وعمري 41 سنة، فقد قمت بعمل أكثر من محاولة أطفال أنابيب؛ لعدم قدرتي على الإنجاب الطبيعي، في المرة الأولى كان عمري 39 باستخدام تقنية اختيار جنس المولود لرغبتنا بأن يكون لبناتنا أخ وبالتنوع، وليس كرها بالبنات، فليس هناك من يحب بناته مثلي أنا وزوجي، ولكن لم تنجح العملية حيث كانت النتيجة 3 أجنة بنات حسب الفحوصات، ولم أرجع منهم أحدا، وتم إتلافهم، وهذا كان قراري أنا وزوجي بمساعدة الطبيب الذي شرح لنا أن هذه الأجنة عبارة عن خلايا وليس فيها روح، ولا أعلم ما شرعية ما فعلت!
وهل إذا كنت قد أرجعتهم هل كنت قد رزقت بطفلة أم ما حصل معي شيء مقدر من الله؟
وفي المرة الثانية كان عمري 40 استخدمنا أيضاً تقنية تحديد جنس المولود، وقام الطبيب بإعادة جنينين ذكر، وفي التاريخ المقرر لعمل فحص الحمل نزل علي دم كثير ولم أقم بعمل فحص حمل ظنا مني أنها دورة، واستمر الدم الغزير مدة ست أيام، وبعد مرور أسبوعين نزل دم مرة أخرى، وعند مراجعة الطبيب وعمل فحص حمل اكتشفت أنني حامل بالأسبوع السادس، ولكن شكل الكيس غير منتظم، ولا يوجد نبض في اليوم التالي فحصني الطبيب ثانيةً وشاهد نبض ولكنه ضعيف قليلا، فأعطاني موعدا بعد أسبوع وطلب أن أستمر بأخذ تحاميل التثبيت التي كنت قد أوقفتها، وبعد مرور الأسبوع وبعد فحص الطبيبة تبين أن لا يوجد نبض! هل لو قمت بالفحص من البداية لاستمر الحمل، أم أن هذا مقدر ومكتوب؟ أم هو عقاب من الله لأني قمت بتحديد جنس المولود! مع العلم أن الرأي الطبي يقول إن الحمل ضعيف، وعدم استمراره لخلل في الجنين، لقد أتعبتني كثيراً كلمة لو! وأود أن تساعدني برأيك.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن الله قد كتب مقادير الخلق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن ما جرى به القلم واقع ولا بد، ومن ذلك ما قدره الله لك من الأطفال سواء من ذلك عددهم أو جنسهم أو غير ذلك من صفاتهم.
والقضاء والقدر ـ كما قال العلماء ـ نوعان: قضاء مبرم: وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير، كما قال تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ {ق:29}، وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا، وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة، لأنه معلق عليهما، وهو المراد بقوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد: 38/39}، .
وعليه يمكن تغيير القدر المعلق بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها. وكما في الحديث: لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ. رواه الترمذي والطبراني، وحسنه الألباني.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الجواب الكافي: المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر... وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب. انتهى.
وقال السندي ـ رحمه الله ـ في شرحه على سنن ابن ماجه: قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. انتهى.
وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 175281، 35295، 10657.
أما قولك: (هل لو قمت بالفحص من البداية لاستمر الحمل ...). فنقول: إن الحمل لو قدر له الاستمرار لكان ذلك، فلا تتحسري على ما فات، وتدبري قوله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ { الحديد 22ـ 23}. وتدبري كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم. قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه شفاء العليل: فإن فاته ما لم يقدر له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم، والجزع، والسخط والأسف، والحزن. وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور، وإذا انتفت امتنع وجوده؛ فلهذا قال: فإن غلبك أمر فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبه، وحالة فواته؛ فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا، بل هو أشد شيء إليه ضرورة، وهو يتضمن إثبات القدر، والكسب، والاختيار، والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا في حالتي حصول المطلوب وعدمه. انتهى.
ولا مانع من إتلاف البويضات الملقحة، فقد نص العلماء على جواز استخراج النطفة بعد استقرارها في الرحم وقبل التعلق بالرحم، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: النطفة ليست بشيء يقينا ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم فهي كما لو كانت في صلب الرجل، فإذا كان هذا في النطفة بعد وصولها إلى الرحم فجوازها خارج الرحم أولى، وراجعي الفتوى رقم: 22784.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين التالية أرقامهما: 5995، 7888.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني