الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

سؤالي هنا عن الأفضل لا عن الجائز -بارك الله فيكم-، هل إذا عرض أحد علينا المساعدة، مثل: إعطاء المال لنا كهبة، أو مسامحتنا على حق مادي، أو دَيْن، أو تقديم خدمة معينة، فهل الأولى شرعا، والأعظم أجرا، والأرضى لله تعالى، والأكمل خلقا، والأحفظ للمروءة وماء الوجه أن نقبل أم أن نرفض؟ أعني: هل الأفضل أن نقبل دائما أم نرفض دائما؟ أم أن ذلك يعتمد على مدى حاجتنا الفعلية لما تم عرضه علينا من مال أو من مسامحة أو خدمة؟
وجزاكم الله تعالى خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحكم قبول الهبة فيه تفصيل، ولا يمكن أن يشمله حكم واحد، فهو يختلف باختلاف الظروف والمآلات؛ فقد يكون مستحبا, وقد يكون مكروها, بل قد يكون حراما, وقد يكون واجبا أيضا، كما سترى، فإن خشيت من قبول المساعدة حصول منة عليك، أو ما لا تحمد عقباه، كالمداهنة في حق من حقوق الله، وغير ذلك، فالأفضل: الامتناع عن قبولها.
وإن لم تخش شيئا من ذلك، فالأصل: أن قبولها أفضل؛ لما في الصحيحين عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- العطاء فيقول له عمر: أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف، ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك. وفي رواية لمسلم: "قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه."

قال النووي: "واختلف العلماء فيمن جاءه مال، هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: أنه يستحب في غير عطية السلطان، وأما عطية السلطان: فحرمها قوم، وأباحها قوم, وكرهها قوم، والصحيح: أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام، فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقالت طائفة: الأخذ واجب من السلطان، وغيره. وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره."

وقال سماحة الشيخ/ ابن عثيمين: "وإذا أعطاك أحد شيئا فاقبله؛ لأن رد العطية والهدية قد يحمل من أعطاك على كراهيتك، فيقول: هذا الرجل مستكبر، هذا الرجل متغطرس، وما أشبه ذلك. فالذي ينبغي أن من أعطاك بغير مسألة تقبل منه، إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يمنّ به عليه في المستقبل، فيقول: أنا أعطيتك، أنا فعلت معك كذا وكذا، وما أشبه ذلك، فهنا يرده؛ لأنه إذا خشي أن يقطع المعطي رقبته بالمنة، وما أشبه ذلك، فليحم نفسه من هذا."

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني