الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق بين أثر"ما وقع بلاء إلا بذنب" وحديث "أي الناس أشد بلاء..."

السؤال

كيف نجمع بين نص: "ما وقع بلاء إلا بذنب" وحديث: "قال: قلت: يا رسول الله, أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقةً ابتُلِيَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأثر "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة" مروي من كلام بعض السلف الصالح، منهم: العباس، وعلي -رضي الله عنهما-، كما صححه الألباني في التوسل، وأما الحديث المذكور فرواه الإمام أحمد, والترمذي، وغيرهما، وصححه الألباني.

وليس ثم تعارض -بحمد الله- بين الحديث والأثر، بل الجمع أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فمن كان معروفا بالاستقامة، وعدم مقارفة الذنوب، كالأنبياء، والأولياء، فابتلاؤهم لحكمة أخرى غير ارتكاب الذنوب، بل هو لرفع درجاتهم، وليكونوا أسوة للناس في الصبر والاحتساب، وأما من كان بضد ذلك، فابتلاؤه بسبب ذنبه، ومعصيته، وهذا الغالب على الناس، ولتنظر الفتوى رقم: 272722، وما أحيل عليه فيها.

وعليه؛ فبلاء الأنبياء والصالحين لرفع درجاتهم والتأسي بهم، وهو الذي ورد فيه الحديث المذكور، وما في معناه؛ قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم، فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصًا منهم، ولا عذابًا لهم؛ فقلوبهم راضية بذلك، وأنفسهم مطمئنة به؛ جاء في مرعاة المفاتيح للمباركفوري: "وَلِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُبْتَلَوْا لَتُوُهِّمَ فِيهِمُ الْأُلُوهِيَّةُ، وَلِيُتَوَهَّنَ عَلَى الأمة الصبر على البلية، ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعًا والتجاء إلى الله تعالى"

وجاء في شرح مسند أبي حنيفة للملا قاري: "البلاء إما سبب لإعلاء الدرجات كما في الأنبياء، وإما لإمحاء السيئات كما في الأولياء"

وقال ابن تيمية في الفتاوى: "والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء"

وقال الحافظ في الفتح: "وَالسِّرُّ فِيهِ: أَنَّ الْبَلَاءَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ، فَمَنْ كَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ بَلَاؤُهُ أَشَدَّ.."

وجاء في سبل الهدى والرشاد للصالحي نقلا عن الشفا للقاضي عياض: "فامتحانه للأنبياء بضروب المحن زيادة في مكانتهم، ورفعة في درجاتهم، وموعظة لسواهم، ليتأسَّوا في البلاء بهم، فيتسلوا في المحن بما جرى عليهم، ويقتدوا بهم في الصبر.. وليكون أجرهم أكمل، وثوابهم أوفر وأجزل"

وأما سبب بلاء أهل الكفر والمعاصي فهو: كفرهم، وذنوبهم، والحكمة منه: أن يرجعوا إلى طاعة ربهم، وهو الذي ورد فيه الأثر، وما في معناه.

هذا؛ وليعلم المكلف أن الله -عز وجل- يبتلي عباده بما يشاء من السراء والضراء، ومن الشدة والرخاء، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}، وأنّ أفعاله كلّها عدل وحكمة، سواء أدرك ذلك أو لم يدركه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني